اتفق أهل التاريخ أن التتر أمم لا يضمها إحصاء. وهم رجال يسكنون الخيام المتخذة من اللبود لشدة البرد في بلادهم. وأكثر دوابهم الخيل وأقواتهم الأرز وألبان الخيل. ولحومها. وتعرف ملوكهم بالخان وهي سمتهم الخاصة. وكانوا مبددين في دشت قبجان في حدود ملك الخط والصين وفي سهول وأوعار يهارجون فيها كالحيوانات السائمة لا حاكم يردعم ولا دين يجمعهم حتى نبغ فيهم هذا الطاغية جنكزخان. وكان ظهوره في زمان ركن الدين بن زنكي. وكان وقتئذ المستولي على قبائل الترك المشارقة وأوتك خان. وهو المسمى الملك يوحنا من القبيلة التي يقال لها كريت وهي طائفة تدين بالنصرانية. وكان رجل مؤيد من غير هذه القبيلة يقال له تموجين ملازما لخدمة أوتك خان من سن الطفولية إلى أن بلغ حد الرجولية. وكان ذا بأس في قهر الأعداء فحسده الأقران وسعوا به إلى أوتك خان. ولا زالوا يغتابونه عنده حتى اتهمه بتغيير النية وهم باعتقاله والقبض عليه. فأطلع تموجين على المكيدة فكر مع خدمه على أوتك خان فقتله وأبطاله فسمي جنكزخان. ثم علا شأنه وأرسل الرسل إلى جميع الترك فمن أطاعه وتبعه سعد ومن خالفه خذل. فسار أولا يقصد سلطان الخطا والصين والتون خان فأباده. واستصفى ولايته وبلاده (601 هجري) .
وكان جنكزخان رجلا أميا لا يقرأ ولا يكتب وكان لم يتقيد بدين بل يعظم علماء كل طائفة. وكان يميل إلى النصارى ويحسن الظن بهم ويكرمهم ويرجع إلى قول أساقفهم ولا يعدل عن رأيهم. واخترع جنكزخان هو لنفسه في الملك قواعد سلك فيها. ولما لم يكن للتتر كتاب ولا خط فأمر عقلاء مملكته وأذكياء قبيلته أن يضعوا خطا وقلما فوضعوا له قلم المغل ورتبوا له كتابا اسمه الباسق الكبير. وكان كرس مملكته قراقروم. وكان سبب مسيره إلى ممالك الإسلام أنه أرسل إلى خوارزم شاه محمد بهدايا يسأل الموادعة والإذن للتجار من الجانبين في التردد في متاجرهم فاستنكف السلطان من ذلك وقتل الرسل خفية. ففشا الخبر إلى جنكزخان فسار في العساكر واستولى على انزار وبخارى وسمرقند وأضرموا في محالها النار وجعل عمالها وأمراءها نكالا لغيرهم. وتوغلوا في البلاد وانتهوا إلى بلاد ديجور واكتسحوا كل ما مروا عليه. ففر من وجهة خوارزمشاه فسرح جنكزخان العساكر في أثره نحوا من عشرين ألفا فأجفلوه إلى خراسان وإلى طبرستان فخاض بحرها ووصل إلى بعض الجزائر فطرقه المرض بها فمات. (تاريخ القرماني وأبي الفرج الملطي) فسار التتر بعد مهلك خوارزم شاه إلى خراسان ففتحوا كلات من أحصن القلاع إلى جانب جيجون وأوسعوها نهبا وعبر إلى بلخ وملكوها على الأمان (607 هجري) . ثم ساروا إلى مرو وهراة وهما من أمنع البلاد فحاصروها عشرا وصدقوا عليهما الحملة فملكوهما