عنوة ثم كر راجعاً إلى طرابلس وبها بويموند الفرنجي فلم يدرك منها وطره. فسار إلى صفد وفتحها واستلحم الفرنج الذين بها وأفحش في قتلهم ثم رجع إلى مصر وأمر بتحديد الجامع الأزهر وإقامة الخطبة به. ثم خرج إلى دمشق واكتسح بسائط عكا واحتل مدينة يافا وصيدا وسار إلى إنطاكية ثانية وفتحها إلى الأمان فخرب قلعتها وأضرمها نارا فبقيت في ملك الفرنج نحو 170 سنة.

زحفة الفرنج التاسعة وحصار تونس (1270) انقراض دولة الفرنج في المشرق (1191)

وفي سنة 668 هجري في أيام المستنصر بالله عبد الله محمد صاحب تونس اعتزم ريد فرنس لويس بن لويس على الحركة إلى تونس. فأرسل إلى ملوك النصارى يستنصرهم إلى غزوها وأرسل إلى البابا خليفة المسيح بزعمهم فأوعز إلى ملوك النصرانية لمظاهرته. فأجاب جماعة من ملوك الفرنج لغزو بلاد المسلمين فشاع خبر استعداد النصارى للغزو. وهم المسلمون بترميم الثغور وأمر المستنصر بسائر عمالاته بالاستنكار من العدة وأرسل في الثغور بذلك وبإصلاح الأسوار واختزان الأحباب. وأوفد السلطان على ملك افرنسيس رسله وما شرطته على أن يكف غربه فلم يرض وجمع الطاغية حشده وركب أساطيله إلى تونس سنة 668 هجري. فاجتمعوا بسردانية ونادى السلطان بالنذير بالعدو والاستعداد له والنفير إلى أقرب المرافئ وبعث الثواني لاستطلاع الخبر. فتوالت بعد مدة الأساطيل بمرسى قرطاجة فنزلوا بالساحل وكانوا زهاء ستة آلاف فارس وثلاثين ألفا من الرجال. وكانت أساطيلهم ثلاثمائة بين صغار وكبار وكانوا سبعة يعاسيب فيهم الفرنسيس وأخوه صاحب صقلية والعلجة زوج الطاغية وتسمى الرينة. وأنزلوا عساكرهم بالمدينة القديمة من قرطاجة وكانت ماثلة الجدران فوصلوا ما فصله الخراب من أسوارها بألواح الخشب ونضدوا شرفاتها وأداروا على السور خندقا بعيد المهوى. وتحصنوا وأقاموا محترسين بتونس ستة أشهر والمدد يأتيه في أساطيله من البحر من صقلية والعدوة بالرجال والأسحلة والأقوات. وبعث السلطان في ممالكه حشدا فوافته الإمداد من كل ناحية من المغرب والأندلس وقبائل العرب فاتصلت الحرب ومات من الفريقين خلق. وفي خلال ذلك هلك ريد افرنسيس يقال أصابه مرض الوباء ولما توفي اجتمع النصارى على ابنه فبايعوه. ثم بعثت مشيخة الفقهاء لعقد الصلح مع الفرنج بمال أغرقه لهم صاحب تونس. فرجع الفرنج إلى عدوتهم. وفي سنة 688 هجري في أيام السلطان المنصور قلاوون استنفر المسلمون من مصر إلى حصار طرابلس فنصب عليها المجانيق وفتحها عنوة فاستباحها. ثم خلفه في الملك ابنه الأشرف خليل فكان أول أعماله حصار عكا متما عزم أبيه. فتناوشوا القتال مع الفرنج وهدم الخليل كثيرا من أبراجها وشحنها بالمقاتلة واستلحموا من كان فيها وأكثروا القتل والسبي في الفرنج واستوعبهم السيف. وبلغ الخبر إلى الفرنج بصور وصيدا وبيروت فأجفلوا عنها توركوها خاوية فانقطع أمر الفرنج من المشرق سنة 690 هجري (لابن خلدون)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015