قبرص وشتى بها. ثم عبر سنة 647 هجري دمياط وبها بنو كنانة أنزلهم الصالح ابن الملك العادل بها حامية. فلما رأوا ما لا قبل لهم به أجفلوا عنها. فملكها ري افرنس بغير تعب ولا قتال وكان هذا من أعظم المصائب. فبلغ الخبر إلى الصالح وهو بدمشق وعساكره نازلة بحمص فكر راجعا إلى مصر ونزل المنصورة وقد أصابه بالطريق وعك. وأمر بصلب الأمراء المنهزمين من دمياط وكانوا أربعة وخمسين أميرا فاشتد عليه فتوفي. وكان ملكه في الديار المصرية تسع سنين وكان مهيبا عالي الهمة عفيفا طاهر اللسان والذيل وكان جمع من الممالك الترك ما لم يجمع بغيره. وكتم أهل الدولة موته حذرا من الفرنج وقامت زوجته شجرة الدر بالأمر وكانت تركية داهية لا نظير لها من النساء والرجال. فجمعت الأمراء وقوت جأشهم واستحلفتهم. فبايعوا ابن الصالح الملك المعظم تورانشاه ثم انتشر خبر الوفاة. فشره الفرنج إلى قتال المسلمين ودلف طرف منهم إلى المعسكر فانكشف المسلمون وقتل الأتابك فخر الدين مقدم العسكر. ودخل الفرنج المنصورة ولم ينالوا منها نيلا طائلا لأنهم حصولا مضايق أزقتها. وكانت العامة يقاتلونه بالحجارة والآجر والتراب وخيولهم الضخمة لم تتمكن من الجولان بين الدروب. ثم عبى ريد افرنس جيوشه وسار بهم طالباً أرض مصر فصبر المصريون إلى أن عبر الفرنج الخليج من النيل المسمى اشمون فتوجهوا نحوهم والتقى العسكران واقتتل الفريقان قتالا شديدا وانجلت الحروب عن كسرة الفرنج برا وبحرا. فضعف حالهم لذلك فأرسلوا يطلبون القدس وبعض الساحل وأن يسلموا دمياط إلى المسلمين فلم تقع الإجابة إلى لك. ثم أقام الفرنج قبالة المسلمين بالمنصورة وفنيت أزوادهم وانقطع عنهم المدد من دمياط فلم يبقى لهم صبر على المقام. فرحلوا متوجهين إلى دمياط وركب المسلمون أكتافهم وبذلوا فيهم السيف فلم يسلم منهم إلا القليل وقتل منهم أكثر من ثلاثين ألفا. واعتقل الملك ريد افرنس ومعه جماعة من خواصه وأكابره. وفي خلال ذلك هلك الملك المعظم قتله المماليك لشهرين من ملكه وقدموا عليهم أميرا منهم يلقب بعز الدين التركماني. ونهضوا إلى ريد افرنس وجددوا معه اليمين وافتدى منهم بألف ألف دينار وتسليم دمياط فأطلقوه. فأقلع مع أصحابه إلى عكا سنة 648 هجري وأتم عمار يافا وهدم المسلمون سور دمياط لما حصل للمسلمين عليها من الشدة مرة بعد أخرى. ثم استقر الملك بعد قتل شجرة الدر في أيدي الأشرف موسى فبقي في إمارته مدة وعزل لخمس سنين من ولايته وانقرض به ملك بني أيوب. واجتمعت مصر والشام في مملكة الترك فاستبدوا بالملك. وكان أول ملكهم المعزايبك التركماني ثم خلفه ابنه المنصور خلعه قطز المعزي فاستبد بالملك وارتجع الشام من التتر وكانوا استولوا عليها سنة 658 هجري ثم قتل المظفر واستقل الظاهر بيبرس البندقداري سنة 658 هجري ثم جهز العساكر فسار إلى مقاتلة التتر فأجفلوا وولوا هاربين. وقصد قيسارية وهي للفرنج فاقتحم عليها وفتحها وشن على أعمالها الغارة. وسرح عسكر إلى حيفا وأرسوف وملكها.