وكان ذا سياسة حسنة وهيبة عظيمة وعدل وافر وغزوات كثيرة. وكان يوم وفاته لم يصب الإسلام والمسلمين بمثله منذ فقدوا الخلفاء الراشدين. وغشي القلعة والبلد والدنيا من الوحشة ما لم يعلمه إلا الله. فيتمنى الناس أن يكونوا فداء من يعز عليهم. واستقر بعده الملك لابنه العزيز عثمان في مصر ولولده الملك الأفضل بدمشق. ولما توفي صلاح الدين وملك أولاده بعده جدد العزيز الهدنة مع الكند هنري ملك الفرنج كما عقد أبوه معه. وكان أمير بيروت يبعث الثواني للإغارة على الفرنج فشكوا ذلك إلى العادل فلك يكفهم. فأرسلوا إلى ملوكهم وراء البحر يستنجونهم فأمدوهم بالعساكر وأكثرهم من الألمان. فوصل منهم جمع عظيم إلى الساحل واستولوا على قلعة بيروت. فار الملك العادل صاحب الجزيرة إلى يافا واتتهم النجدة من مصر والجزيرة. فملكوا المدينة وخربوها وامتنع الحامية بالعقلة فحاصروها وفتحوها عنوة واستباحوها. فجاء الفرنج من عكا لصريخ إخوانهم فبلغهم وفاة الكند هنري فرجعوا ثم اعتزموا ونازلوا تبنين سنة 594 هجري فأرسل الملك العادل إلى الملك العزيز صاحب مصر. فسار العزيز بنفسه واجتمع بعمه على تبنين فرحل الفرنج على أعقابهم إلى صور خائبين. ثم اختاروا لهم ملكا صاحب قبرص أوري الثاني خليفة غيدوا فجاءهم وزوجوه بملكتهم زوجة الكند هنري. ثم تناوش المسلمون والفرنج القتال ثم تراسلوا مع الملك العادل في الصلح وانعقد بينهم في السنة ورجع العادل إلى دمشق وسار الفرنج إلى بلادهم (لابن الشازي)
كان هؤلاء الفرنج بعدما ملكوا الشام اختلفت أحوالهم في الفتنة والمهادنة مع الروم التي كانت بأيديهم من قبل. وظاهرهم الروم على المسلمين في بعض المرات فملكوا مدينة القسطنطينية من الروم. كيفية الخبر عن ذلك أن ملوك الروم أصهروا إلى ملوك الفرنج وتزوجوا منهم بنتا لملك الروم فولدت ابنا. ثم وثب على الملك أخوه فانتزع الملك من يده وحبسه. فلحق الولد بملك الفرنج مستصرخا به فوصل إليهم وقد تجهز الفرنج لاستنقاذ القدس من يد المسلمين وانتدب لذلك ثلاثة من ملوكهم دموس البنادقة وهو صاحب الأسطول الذي ركبوا فيه وكان شيخا أعمى لا يركب ولا يمشي إلا بقائد ومقدم الفرنسيس ويسمى المركيش والثالث يسمى كندرفلندر وهو أكثرهم عددا. فجعل الملك ابن أخيه معهم وأوصاهم بمظاهرته على ملك القسطنطينية ولما وصلوا إليها خرج عم الصبي وقاتلهم. وأضرم شيعة الصبي النار في نواحي البلد فاضطرب العسكر ورجعوا وفتح شيعة الصبي باب المدينة وأدخلوا الفرنج وخرج عمه هاربا. ونصب الفرنج الصبي في الملك وأطلقوا أباه من السجن واستبدوا بالحكم. فعظم ذلك على الروم فوثبوا على الصبي وقتلوه وأخرجوا الفرنج من البلد. فأقام الفرنج بظاهرها محاصرين لهم فاقتحموا وأفحشوا في النهب ونجا كثر من الروم إلى الكنائس وأعظمها كنيسة أيا صوفيا فلم تغن عنهم. ثم تنازع الملوك الثلاثة