الحرب والشجاعة. وكان من خبره أنه وصل إلى جزيرة قبرص ولم ير أن يتجاوزها الأوان تكون له وفي حكمه. فاستولى عليها ثم زحف إلى الشام (سيرة صلاح الدين لابن شازي)
فاتفق الفرنج جميعا على الرحيل إلى عكا ومحاصرتها فنزلوا عليها وأحاطوا بها من البحر إلى البحر فليس للمسلمين إليها طريق. فنزل صلاح الدين قبالتهم وبعث إلى الأطراف يستنفر الناس. فجاءت عساكر الموصل وديا بكر وسائر الجزيرة وبقي المسلمون يغادرون القتال ويراوحونه أشهرا. فتتابعت أمداد الفرنج من وراء البحر لإخوانهم المحاصرين لعكا حتى جهد المسلمين بعكا الحصار وضعفت نفوس أهل البلد ووهنوا. فبعثوا إلى الفرنج في تسليمها على أن تصالحهم على الأمان فيعطوهم مائتي ألف دينار ويطلق لهم خمسمائة أسير ويعيد لهم الصليب الصلبوت فأجابوا إلى ذلك. فدخل الفرنج عكا واستراحوا مما كانوا فيه. ثم تخلف صلاح الدين عن وفاء الشروط فركب الفرنج وخرجوا ظاهر المدينة بالفارس والراجل وركب المسلمون إليهم وحملوا عليهم فانكشفوا عن موقفهم. فوضع الفرنج السيف في المسلمين وقتلوا الأسرى. فلما رأى صلاح الدين ذلك رحل إلى ناحية عسقلان وأخربها. ثم هم بترميم ما ثلم من أسوار القدس وسد فروجه وأمر بحفر خندق خارج الفصيل. فنقلت الحجارة للبنيان وكان صلاح الجين يركب إلى الأماكن البعيدة وينقلها على منكبيه فيقتدي به العسكر. ثم سار ملك اللانكطار في ساقة الفرنج فحملهم وانهزموا إلى يافا. فأقاموا بها والمسلمون قبالتهم ثم ساروا إلى قيسارية والمسلمون يتبعونهم ثم رحلوا إلى أرسوف فسبقهم المسلمون إليها فحملوا على المسلمين وهزموهم. ثم ساروا إلى داروم ثم إلى القدس فانتهوا إلى بيت قوجة على فرسخين من القدس. فاستعد صلاح الدين للحصار فوفد عليه رسوم الفرنج وعقدت الهدنة معهم. وكان سبب ذلك أن ملك الانكطار قد طال مغيبه عن بلاده وطال عليه البيكار. فكاتب الملك العادل يسأله الدخول على السلطان فأجاب السلطان إلى ذلك واتفق عليه الرأي الأمراء لما حدث عنده العسكر من الضجر ونفاد النفقات. فتحالفوا على ذلك ولم يحلف ملك الانكطار بل أخذوا يده وعاهدوه. واعتذر بأن الملوك لا يحلفون وقنع السلطان بذلك. وكانت الهدنة على أن يستقر بيد الفرنج يافا وقيسارية وأرسوف وحيفا وعكا مع أعمالها وأن تكون عسقلان خرابا وأذن للفرنج في زيارة القدس. وكان يوما مشهودا غشي الناس من الطائفتين من الفرح والسرور ما لا يعلمه إلا الله. وارتحل ملك انكلطرة فيالبحر عائدا إلى بلده. وأقام الكند هنري صاحب صور بعد المركيس ملكا على الفرنج بسواحل الشام وتزوج الملكة التي كانت تملكهم قبله. وكر صلاح الدين راجعا إلى دمشق وكانت وفاته فيها سنة 589 هجري وعمره سبع وخمسون سنة. وكان صلاح الدين حليما كريما حسن الأخلاق متواضعا صبورا كثير التغافل عن ذنوب أصحابه.