والعشرين من رجب فخلف أخاه الملك العادل بالقدس يقرر قواعدها. وتحرر عزمه على قصد صور لمحاصرتها فامتنعت عنه. فعدل إلى فتح قلعة جبلة ودخل اللاذقية واستولى على قلعة صهيون. ثم سار إلى مدينة صور وقد خرج إليها المركيس وصار صاحبها وقد ساسها أحسن سياسة. فقسم صلاح الدين القتال على العسكر كل جمع لهم وقت معلوم يقاتلون فيه بحيث يتصل القتال على أهل البلد. على أن الموضع الذي يقاتلون فيه قريب المسافة تكيفه الجماعة اليسيرة من أهل البلد تحفظه. وعليه الخنادق التي قد وصلت من البحر إلى البحر فلا يكاد الطائر يطير عليها. لأن المدينة كالكف في البحر والساعد متصل بالبر والبحر في جانبي الساعد والقتال أنما هو في الساعد فلذلك لم يتمكن منها صلاح الدين ورحل عنها (لأبي الفرج الملطي)
فلما تم الخطب على الفرنج بفتح القدس بعثوا الرهبان والأقسة إلى بلادهم بخبر بيت القدس واستنصار النصرانية لها. فقام ملك الفرنسيس (فيليب) وملك أنكلطرة (ريكارد) وملك الألمان وجمعوا عساكرهم وساروا للجهاد. فسار فيليب وملك الأنكطار بحرا وقصد ملك الألمان قسطنطينية فعجز ملك الروم (أيساكيوس أنكلوس) عن منعه وكان عاهد صلاح الدين بذلك. فكتب إلى السلطان يعلمه: من ايساكيوس انكلوس ضابط الروم إلى النسيب سلطان مصر صلاح الدين المحبة والمودة: قد وصل خط نسبتك الذي نفذت إلى ملكي فما أظن أن نسبتك تسمع أخبارا ودية وأنه قد سار في بلادي الألمان. ولا غرو فإن الأعداء يرجفون بأشياء كذب على قدر أغراضهم. ولو تشتهي أن تسمع الحق فإنهم قد تأذوا وتعبوا كثيرا وقد خسروا كثيرا من المال والدواب والرجال ومات منهم وقتلوا. وبالشدة قد تخلصوا من أيدي أجناد بلادي وقد ضعفوا. وبحيث أنهم لا يصلون إلى بلادك فإن وصلوا كانوا ضعافاً بعد شدة كبيرة لا ينفعون جنسهم ولا يضرون نسبتك (تم) . ثم عبر ملك الألمان خليج القسطنطينية ومروا بمملكة قليج أرسلان وتبعهم التركمان يخفون بهم ويتحفظون منهم وكان الفصل شتاء فهلك أكثرهم من البرد والجوع. ولما ولوا إلى بلاد طرطوس أقاموا على نهر (السيدنوس) ليعبروه فعن لملكهم أن يسبح فيه فهلك غرقاً. فملك بعده ابنه وأتموا المسير إلى الشام فبلغوا طرابلس وقد أفناهم الموت ولم يبق منهم إلا ستة آلاف رجل. وهلك ابن ملك الألمان في عكا وحزن الفرنج عليه حزنا عظيما. ثم وصل ملك الفرنسيس بحراُ. وكان عظيما عندهم مقدما محترما من كبار ملوكهم تنقاد إليه العساكر بأسرها بحيث إذا حضر حكم على الجميع. وقدم في ست بطس تحمله وميرته وما يحتاج إليه من الخيل وخواص أجناده. ثم وصل بعده ملك الأنكطار وكان شديد البأس بينهم عظيم الشجاعة قوي الهمة له وقعات عظيمة وله جسارة على الحرب وهو دون الفرنسيس عندهم في الملك والمنزلة لكنه أكثر مالا منه وأشهر في