قلوب القسي القاسية وأصمتهم. وأعجزوا وأعرجوا. وأحرجوا وأخرجوا. كلما حملوا ردوا وأردوا. وكلما ساروا وشدوا أسرو فاضطرموا واضطربوا. والتهفوا والتهبوا. فأووا إلى جبل حطين يعصمهم من طوفان الدمار. فأحاطت بحطين بوارق البوار. فرشفتهم الحنايا. وقشرتهم المنايا. وصاروا للردى درايا. ومن بقي منهم فجردوا العزيمة. واحتالوا في الهزيمة. وأسروا الملك البرنس أرناط ومقدم الفداوية. ولم يصابوا منذ ملكوا هذه البلاد بمثل هذه الوقعة. ثم استحضر صلاح الدين الأسرى وأوقع البرنس أرناط على ما قال وقال له: ها أنا أنتصر لمحمد ثم عرض عليه الإسلام فلم يفعل. ثم سل النمجاء وضربه بها. وقتل أسرى الفداوية والاستبارية أجمعين ثم استحضر الملك وأمنه وطيب قلبه (الفتح القدسي لعماد الدين الكاتب)

فتح القدس لصلاح الدين (1189 م)

ولما فرغ صلاح الدين من طبرية سار عنها إلى عكا فنازلها واعتصم الفرنج الذين بها بالأسوار وأشاروا بالاستئمان فأمنهم. ثم لمك قيسارية وحيفا ويافا وصيدا وبيروت وجبل عسقلان. ثم شمر عن ساق الجد والاجتهاد في قصد القدس. وكان نزوله عليه في رجب سنة 583 هجري فنزل بالجانب الغربي. وكان مشحوناً بالمقاتلة والخيالة والرجالة. ثم انتقل لمصلحة رآها إلى الجانب الشمالي ونصب عليه المناجيق وضايقه بالزحف والقتال وكثرة الرماة حتى أخذ النقب في السور مما يلي وادي جهنم. فملا رأى العدو ما نزل بهم من الأمر الذي لا يندفع عنهم وظهرت لهم أمارات نصرة السلطان وكان قد ألقى في قلوبهم مما جرت على أبطالهم ورجالهم في السبي والقتل والأسر وما جرى على حصونهم من الاستيلاء والأخذ علموا أنهم إلى ما صاروا إليه صائرون. وبالسيف الذي قتل به إخوانهم مقتولون. واستكانوا وأخلدوا إلى طلب الأمان. فأبى السلطان وقال: لا أفعل بكم إلا كما فعلتم بالمسلمين حين ملكتموه سنة 481 هجري من القتل والسبي. قال له باليان: أيها السلطان أعلم أننا إذا رأينا أن الموت لابد منه لنقتلن أولادنا ونساءنا ونحرق أموالنا ولا نترككم تغنمون منا ديناراً ولا درهماً. ولا تسبون وتأسرون رجلاً أو امرأة. فإذا فرغنا من ذلك أخربنا الصخرة والمسجد الأقصى ثن نقتل من عندنا من أسارى المسلمين وهم خمسة آلاف أسير ولا نترك لنا دابة ولا حيوانا إلا قتلناه. ثم خرجنا كلنا وحينئذ لا يقتل الرجل منا حتى يقتل أمثاله ونموت أعزاء ونظفر كرماء. فاستشار صلاح الدين أصحابه عن أي شيء تنجلي. فأجاب صلاح الدين حينئذ إلى بذل الأمان للفرنج واستقر أن يزن الرجل عشرة دنانير يستوي فيه الغني والفقير وتزن المرأة خمسة دنانير ويزن الطفل من الذكور ولإناث دينارين. فمن أدى ذلك إلى أربعين يوماً فقد نجا وإلا صار مملوكاً. فبذل باليان عن الفقراء ثلاثين ألف دينار فأجيب إلى ذلك. وسلمت المدينة يوم الجمعة السابع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015