مكراً وأشدهم ضررا وطمع أن تكون كفالته ذريعة إلى الملك. ثم مات الصغير (بقدوين الخامس) فتزوجت الملكة ابن غتم (غي دي لوسينيان) من الفرنج القادمين من الغرب وتوجته. وأحضرت البطرك والقسوس والرهبان والاستبارية والدواوية والبارونة وأشهدتهم خروجها له عن الملك. فأنف أرناط وغضب وجاهر بالشقاق لهم. وراسل صلاح الدين فسار بفرقة من عسكره إلى الكرك فحاصرها. وأمر ابنه الأفضل بإرسال بعض إلى عكا ليكتسحوا نواحيها. فصحبوا صفورية وبها جمع من الفداوية والاستبارية فبرزوا إليهم. وكانت بينهم حروب شديدة تولى الله النصر فيها للمسلمين فانهزم الفرنج وقتل مقدمهم. ثم سار صلاح الدين بنفسه ونزل على طبرية وحصر مدينتها وفتحها عنوة بالسيف. وكانت طبرية للقومص (أرناط) وكان قد هادن السلطان ودخل في طاعته. فأرسلت الفرنج إلى القومص المذكور القسوس والبطرك ينهونه عن موافقته السلطان ويوبخونه فسار معهم واجتمع الفرنج لملتقى السلطان.
فرحل الفرنج من وقتهم وساعتهم وقصدوا طبرية للدفع عنها. فأخبرت الطلائع الإسلامية الأمراء بحرة الفرنج فالتقى العسكران على سطح جبل طبرية قرب تل يقال له تل حطين فلما حان القتال خرج القومص محرضاً الناس يقول لهم: لا قعود بعد اليوم. ولابد لنا من رقم القوم. وإذا أخذت طبرية أخذت البلاد. وذهبت الطراف والتلاد. فما يبقى لنا صبر. ولا بعد هذا الكسر جبر. فالمسيح لنا والصليب معنا والمعمودية عمدتنا. والنصرانية نصرتنا. ورماحنا. فراحنا. وصحافنا. صحافنا. وفي لوائنا اللأواء ومع اودائنا الداوية الأدواء. وطوارقنا الطوارق. وبيارقنا البوائق. وسيف الاستبسار بتار تيار. ولقرن الباروني من مقارنته بوار. وقد عثم بحرنا الساحل. وشدد بابه المعاقد والمعاقل. وهذه الأرض تسمعنا نيفا وتسعين سنة. وسلاطين الإسلام ما صدقوا أن يسلموا إلينا ويسالمونا. ويبذلوا لنا القطائع ويقاطعونا. وطالما صفونا وما صافونا. وهادونا وهادنونا. وفي جمعنا تفريقهم. وفي فيئتنا تعويقهم.
ثم ماجت خضارمهم. وهاجت ضراغمهم. وطارت قشاعمهم. وثارت غماغمهم. وسدت الآفاق غمائمهم. وهم كالجبال السائرة. وكالبحار الزاخرة. أمواجها متلطخة وأفواجها مزدحمة. وفجاجها محتدمة وأعلاجها مصطلمة. وقد جوي الجو. وضوي الضو. ودوى الدو. وحوافز الحوافز للأرض حوافز. والفوارس اللوابس في البيض سوافر. فرتب السلطان في مقابلتهم أطلاءه. وقصر على مقاتلتهم آراءه. وحجز بينهم وبين الماء. ولليوم قيظ. وللقوم غيط. فنفر النفير وتصادم العسكران والتحم القتال فأيقن بالويل والثبور. وأحست نفوسهم أنهم في غد زوار القبور. كلما خرجوا جرحوا. وبرح بهم مر الحرب وحملوا وهم ظماء. وما لهم سوى ما بأيديهم من ماء الفرندماء. فشوتهم نار السهام وأشوتهم. وصممت عليهم