عاده نور الدين إلى صمر سنة 562 هجري فأغار أسد الدين ودوخ بلادها. ثم هلك وقام صلاح الدين ابن أخيه مكانه. وفي ولايته مات العاضد ومحا الله دعوة العلويين وذهب بدولتهم فاستولى صلاح الدين على بلاد مصر وكان بها عاملا لنور الدين ثم استطال صلاح الدين على نور الدين فاسترجعه سار إليه صلاح الدين. ثم كر راجعا إلى مصر وكتب لنور الدين يعتذر له بأنه بلغه عن بعض سلفه العلويين بمصر أنهم معتزمون على الوثوب. فلم يقبل نور الدين عذره في ذلك واعتزم على عزله عن مصر. فاستشار صلاح الدين أباه نجم الدين وكان خيرا عاقلا حسن السيرة ذا حزم ورأي فأشار عليه بملاطفة نور الدين ومراعاته ففعل وأظهر الطاعة. وكان نور الدين يستفحل ملكا مع الأيام فدخل بلاد الفرنج وعبث بها فخافوا عن لقائه فاكتسح بلادهم وخرب ما مر به من القلاع ثم شرع في التجهز لأخذ مصر من صلاح الدين بن أيوب فأتاه أمر الله الذي لا مرد له سنة 559 هجري. وكان نور الدين أسمر طويل القامة ليس له لحية إلا في حكة حسن الصورة وكان قد اتسع ملكه جداً وخطب له في الحرمين وفي اليمن ومصر وكان مولده سنة 511 هجري وطبق ذكره الأرض بحسن سيرته وعدله. وكان في الزهد والعبادة على قدم عظيم وكان يصلي كثيرا من الليل فكان كما قيل:
جمع الشجاعة والخشوع لربه ... ما أحسن المحراب في المحراب
وهو الذي حصن قلاع الشم وبنى الأسوار على مدنها لما تهدمت بالزلازل. ولما توفي اجتمع الأمراء والمقدمون وأهل الدولة بدمشق وبايعوا ابنه الملك الصالح إسماعيل وهو ابن إحدى عشرة سنة. وأطاعه الناس بالشام. وكان صلاح الدين بمصر وخطب له هناك وضرب السكة باسمه ثم استفحل ملكه وعظمت دولة بني أيوب من بعهد إلى أن انقرضوا. ولما مات نور الدين سار ابن أخيه سيف الدين غازي من الموصل وملك جميع البلاد الجزيرية. واجتمع الفرنج وحاصروا قلعة بانياس من أعمال دمشق. فراسلهم أهل دمشق وتهددوهم بسيف الدين صحاب الموصل فصالحهم على مال يبعثونه إليهم فتقررت الهدنة. وبلغ ذلك صلاح الدين فنكره واستعظمه وكتب إلى الصالح يقبح مرتكب أهل دمشق ويعدهم بغزوة الفرنج. وفي سنة 570 هجري توفي أمالريك ملك الفرنج صاحب القدس (1175) (كتاب الروضتين)
فعقبه في الملك ابنه بقدوين الرابع وكان مجذوماً. فلما رأى أهل دمشق أن العدو قد استفحل وكون ولد نور الدين طفلا لا ينهض بأعباء الملك كاتبوا صلاح الدين فطار إليهم. فخرج إليه أهل الدولة بمقدمهم وسلموا إليه المدينة فاستخلف عليها أخاه سيف الإسلام طغركين ابن أيوب. ثم سار إلى محاربة سيف الدين غازي صاحب الموصل فاستولى على حمص وحماة ثم زحف إلى حلب وأقام محاصرا لها وبها الملك الصالح بن نور الدين فاجتمع أهل حلب وقاتلوا