بينهم القتلى واستشهد صاحب عسقلان وتحاجزوا وعاد كل إلى بلده. ثم سار الفرنج إلى حصن أفامية فحاصروه حتى جهد أهلها الجوع وملكوا البلد والقلعة. وقتلوا القاضي المتغلب عليها. وفي سنة 499 هجري سار ضحيل ثالثة إلى طرابلس وأقام عليها وبنى بالقرب منها حصنا وبنى تحته ربضا وهو المعروف بحصن ضجيل فسار صاحب طرابلس إليه وأحرق الربض ووقف ضجيل على بعض سقوفه المحرقة فانخسف به فهلك وحمل إلى القدس ودفن فيه. وفي سنة 502 هجري سار طغركين أتابك من دمشق إلى طبرية فزحف إليه ابن أخت بقدوين ملك القدس واقتتلوا فانكشف المسلمون ثم استماتوا وهزموا الفرنج وأسروا ابن أخت الملك فقتله طغركين بعد أن فادى نفسه بثلاثين ألف دينار وخمسمائة أسير فلم يقبل منه إلا الإسلام أو القتل. ولما كانت سنة 503 هجري وصل القمص (ريموند) بن ضجيل بمراكب عديدة مشحونة بالرجال والسلاح والميرة وحاصروا طرابلس مع بقدوين ملك القدس ونصبوا عليها الأبراج. فاشتد بهم الحصار وعدموا القوت لتأخر الأسطول المصري بالميرة فملكوها عنوة وأثخنوا فيها. ثم استولى الفرنج على بيروت عنوة واجتمعوا مع قو كثير ممن قصد الحج والغزو ونازلوا صيداً براً وبحراً وأسطول مصر يعجز عن إنجادهم. ثم زحفوا إلى صور في أبراج الخشب المصفحة فضعفت نفوسهم أن يصيبهم مثل ما أصاب أهل بيروت فاستأمنوا فأمنهم الفرنج وعاد بقدوين إلى القدس. ثم دخلت سنة 504 هجري فقصد بقدوين الديار المصرية فانتهى إلى الفرما ودخلها وأحرقها وأحرق جامعها ومساجدها ورحل عنها راجعاً إلى الشام وهو مريض فهلك في الطريق قبل وصوله إلى العريش. فرحل أصحابه بجثته فدفنوها بكنيسة القيامة (لأبي الفداء ولمجير الدين الحنبلي)
ووصى بقدوين ببلاده القمص صاحب الرها وهو بقدوين الثاني الذي كان أسره جكرمش وأطلقه جادلي وكان حاضرا في القدس لزيارة الحج. فسلم أمر الرها لجوسلين وكان شجاعا من فحولهم أغار مرارا على جموع العرب والتركمان وغنم أموالهم ومواشيهم. وفي عهد بقدوين الثاني سار أبو الغازي صاحب ماردين إلى غزوا الفرنج واجتمع بطغركين صاحب دمشق فاستولوا على رميلة من أعمال دمشق وغيرها من بلاد الفرات فبالغوا في تحصينها واعتزموا على تخريب بلاد الفرنج. فأسروا وغنموا وقتل صاحب إنطاكية فاستنجد الفرنج ببقدوين فحشد العساكر وزحف إلى مقاتلة المسلمين فناجزهم أبو الغازي وصدق الحملة عليهم فقاتلوه أشد القتال وهزموه. ثم رجع طغركين إلى دمشق وأبو الغازي إلى ماردين فاغتالته بها المنية. ثم قام بعده بلك ابن أخيه فعادوا الحرب ففتك بلك في الفرنج فتكة شنعاء فأسر جوسلين صاحب الرها وحبسه في خرت برت فسار بقدوين إليه في جموعه فهزمهم بلك وأسر الملك وجماعة من زعمائهم وحبسهم في قلعة خرت برت مع جوسلين. ثم سار بلك إلى حران وملكها ولما غاب من