ما ضيع الباكي عليك دموعه ... إن الدموع على سواك تضيع

قصدتك طلاب العلوم ولا أرى ... للعمل بابا بعد بابك يقرع

مات النهى وتعطلت أسبابه ... وقضى التأدب والمكارم أجمع

أبو الطيب المتنبي (303 - 354 هجري) (916 - 966 م)

هو أبو الطيب أحمد بن عبد الصمد الجعفي الكندي المعروف بالمتنبي الشاعر المشهور. وهو من أهل الكوفة وقدم الشام في صباه واشتغل بفنون الدب ومهر فيها. وكان من المكثرين من نقل اللغة والمطلعين على غريبها وحواشيها. ولا يسأن عن شيء إلا واستشهد فيه بكلام العرب من النظم والنثر. وأما شعره فهو في النهاية ولا حاجة إلى ذكر شيء منه لشهرته لكن الشيخ تاج الدين الكندي كان يروي له بيتين لا يوجدان في ديوانه وهما:

أبعين مفتقر إليك نظرتني ... فأهنتني وقذفتني من حالق

لست الملوم أنا الملوم لأنني ... أنزلت آمالي بغير الخالق

ولما كان بمصر مرض وكان له صديق يغشاه في علته فلما أبل انقطع عنه. فكتب إليه: وصلتني وصلك الله معتلا. وقطعتني مبلا. فإن رأيت أن لا تحبب العلة إلي. ولا تكدر الصحة علي فعلت إن شاء الله تعالى. والناس في شعره على طبقات. فمنهم من يرجحه من يرجحه على أبي تمام ومن بعده ومنهم من يرجح أبا تمام عليه وله التشابيه البديعة كقوله:

في جحفل ستر العيون غباره ... فكأنما يبصرن بالآذان

واعتنى العلماء بديوانه فشرحوا أكثر من أربعين شرحا ما بين مطولات ومختصرات ولم يفعل هذا بديوان غيره. ولا شك أنه كان رجلا مسعودا ورزق في شعره السعادة التامة. وإنما قيل له المتنبي لأنه ادعى النبوءة في بادية السماوة وتبعه خلق كثير من بني كلب وغيرهم. فخرج إليه لؤلؤ أمير حمص نائب الأخشيدية فأسره وتفرق أصحابه وحبسه طويلا. ثم استتابه وأطلقه. وقيل غير ذلك وهذا أصح. وقيل أنه قال: أنا أول من تنبأ بالشعر. ثم التحق بالأمير سيف الدولة بن حمدان سنة 337. وكان لسيف الدولة مجلس يحضره العلماء كل ليلة فيتكلمون بحضرته. فوقع بين المتنبي و (بين) ابن خالويه النحوي كلام. فوثب ابن خالويه على المتنبي فضرب وجهه بمفتاح كان معه فشجعه وخرج ودمه يسيل على ثيابه. فغضب وخرج إلى مصر سنة 346 وامتدح كافورا ولما لم يرضه هجاء وفارقه سنة 350 فوجه كافور خلفه رواحل إلى جهات شتى فلم يلحق به. وقصد المتنبي بلاد فارس ومدح عضد الدولة بن بويه الديلمي فأجزل جائزته. ولما رجع من عنده قاصدا بغداد ثم الكوفة في شعبان لثمان خلوان منه عرض له فاتك بن أبي الجهل الأسدي بعدة من أصحابه. وكان مع المتنبي أيضا جماعة من أصحابه فقاتلوه. فقتل المتنبي وابنه وغلامه مفلح بالقرب من النعمانية (اليتيمة للثعالبي وغير ذلك)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015