دون لكان لأهل الصناعة. خير بضاعة. أين قس عند فصاحته. وأين قيس في مقام حصافته ومن حاتم وعمرو في سماحته وحماسته. وملحه ونوادره كثرة وله في النظم أيضاً أشياء حسنة منها قوله:
وإذا السعادة لاحظتك عيونها ... نم فالمخاوف كلهن أمان
واصطد بها العنقاء فهي حبائل ... واقتد بها الجوزاء فهي عنان
وكانت وفاته بالقاهرة (الخريدة للعماد الأصبهاني)
هو أحمد بن عبد الله القضاعي المعري التنوخي كان علامة عصره. وله التصانيف المشهورة والرسائل المأثورة. وله من النظم لزوم ما لا يلزم. وله سقط الزند وهو متن التنوير وكتاب الأيك والغصون. وكان متضلعاً من فنون الدب. واخذ عنه أبو القاسم التنوخي والخطيب أبو زكريا يحيى التبريزي شارح الحماسة وغيرها ثم عمي بالجدري. ومن تصانيفه وصفه وإطرائه. فقال أبو العلاء: كأنما نظر المتنبي إلي بلحظ الغيب حيث يقول:
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي ... وأسمعت كلماتي من به صمم
واختصر ديوان أبي تمام حبيب وشرحه وديوان البحتري وديوان المتنبي وتكلم على غريب أشعارهم ومعانيها ومآخذهم من غيرهم وما اخذ عليهم. وتولى الانتصار لهم والنقد في بعض المواضع عليهم. والتوجيه للخطأ في بعض الأماكن. ورحل إلى بغداد مرتين. ولما رجع منها في المرة الثانية لزم منزله وشرع في التصنيف. وكان يملي على بضع عشرة محبرة في فنون من العلوم. وأخذ عنه ناس وسار إليه الطلبة من الآفاق والعلماء والوزراء وأهل الأقدار وسمى نفسه رهن المحبسين للزومه منزله ولذهاب عينيه. ومكث خمسا وأربعين سنة لا يأكل اللحم تزهدا. وعمل الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة. ولما توفي قرئ على قبره سبعون مرثية منها قول أبي الفتح حصينة المعري:
العلم بعد أبي العلاء مضيع ... والأرض خالية الجوانب بلقع
أودى وقد ملأ البلاد غرائباً ... تسري كما تسري النجوم الطلع
ما كنت اعلم وهو يوضع في الثرى ... أن الثرى فيه الكواكب تودع
جبل ظننت وقد تزعزع ركنه ... أن الجبال الراسيات تزعزع
لو فاضت المهجات يوم وفاته ... ما استكثر فيه فيكيف الدمع
عين تسهد للمفاف وللتقى ... أبدا وقلب للمهيمن يخشع
شيم تجمله فهن لمجده ... تاج ولكن بالثناء يرصع
جادت ثراك أبا العلاء غمامة ... كندى يديك ومزنة لا تقلع