بنفسه منها وذهب ما كان معه:
لا تعتب الدهر في خطب رماك به ... أن استرد فقدما طالما وهبا
حاسب زمانك في حالي تصرفه ... تجده أعطاك أضعاف الذي سلبا
والله قد جعل الأيام دائرة ... فلا ترى راحة تبقى ولا تعبا
ورأس مالك وهي الروح قد سلمت ... لا تأسفن لشيء بعدها ذهبا
ما كنت أول مفدوح بحادثة ... كذا مضى الدهر لا بدعا ولا عجبا
ورب مال نما من بعد مرزئة ... أما ترى الشمع بعد القطف ملتهبا
وكانت وفاته بالقاهرة بالوباء (لابن خلكان)
هو أبو حرزة جرير بن عطية التميمي الشاعر المشهور من فحول شعراء الإسلام وكان بينه وبين الفرزدق مهاجاة ونقائض وهو أشعر من الفرزدق والأخطل ويختلف في أيهم المتقدم. واحتج من قدم جرير بأنه كان أكثرهم فنون شهر وأسهلهم ألفاظا وأقلهم تكلفا وكان دينا عفيفا. وسئل أعرابي أيهم عندكم أشعر الشعراء. قال: بيوت الشعر فخر ومديح وهجاء. وفي كلها غلب جرير. فقال في الفخر:
إذا غضبت عليك بنو تميم ... حسبت الناس كلهم غضابا
وقال في مديح ابن مروان:
ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح
وقال في هجاء لراعي الشاعر:
فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا
وذكر الأصمعي قال: كان ينهش جريرا ثلاثة وأربعون شاعرا فينبذهم وراء ظهر ويرمي بهم واحداً واحدا وثبت له الفرزدق والأخطل. وامتدح جرير الخلفاء فمن قوله في مدح عمر:
إنا لنرجوا إذا ما الغيث أخلفنا ... من الخليفة ما نرجو من المطر
نال الخلافة إذ كانت له قدرا ... كما أتى ربه موسى على قدر
أأذكر الجهد والبلوى التي نزلت ... أن تكتفي بالذي بلغت من خبري
مازلت بعدك في دار تعرفني ... قد طال بعدك إضعادي ومنحدري
لا ينفع الحاضر المجهود بداينا ... ولا يجود لنا باد على حضر
كم بالمواسم من شعثاء أرملة ... ومن يتيم ضعيف الصوت والبصر
يدعوك دعوة ملهوف كان به ... خبلا من الحن أو مسا من البشر
ممن يعدك تكفي فقد والده ... كالفرخ في العش لم ينهض ولم يطر (الأغاني)