إلى الفرات. والمرة الثانية أسره الروم على منبج في شوال سنة احدى وخمسين وحملوه إلى قسطنطينية. وأقام في الأسر أربع سنين وله في الأسر أشعار كثيرة مثبتة في ديوانه. وكانت مدينة منبج إقطاعا له ومن شعره:
قد كنت عدتي التي أسطو بها ... ويدي إذا اشتد الزمان وساندي
فرميت منك بضد ما أملته ... والمرء يشرق بالزلال البارد
فصبرت كالولد التقي لبره ... أغضى على ألم لضرب الوالد
ومحاسن شعره كثيرة. وقتل في واقعة جرت بينه وبين موالي أسرته في سنة سبع وخمسين وثلاثمائة. ورأيت في ديوانه أنه لما حضرته الوفاة كان ينشد مخاطبا ابنته:
أبنيتي لا تجزعي ... كل الأنام إلى ذهاب
نوحي علي بحسرة ... من خلف سترك والحجاب
قولي إذا كلمتني ... فعييت عن رد الجواب
زين الشباب أبو فرا ... س لم يمتع بالشباب
هذا يدل على أنه لم يقتل أو يكون قد جرح وتأخر موته ثم مات من الجراحة (اليتيمة للثعالبي)
هو أبو علي الحسن بن هانئ المعروف بأبي نواس الحكمي الشاعر المشهور ولد بالبصرة ونشأ بها ثم خرج إلى الكوفة ثم صار إلى بغداد فاستحلاه والبة بن الحباب. ورأى فيه مخايل النجابة فصار أبو نواس معه. وروي أن الخصيب صاحب ديوان الخراج بمصر سأل أبا نواس عن نسبه فقال: أغناني أدبي عن نسبي. فأمسك عنه. قال إسماعيل بن نوبخت: ما رأيت قط أوسع علما من أبي نواس ولا أحفظ منه مع قلة كتبه. وهو في الطبقة الأولى من المولدين وشعره عشرة أنواع وهو مجيد في العشرة. وقد اعتنى بجمع شعره جماعة من الفضلاء منهم أبو بكر الصولي وعلي بن حمزة فلهذا يوجد ديوانه مختلفا ومع شهرة ديوانه لا حاجة إلى ذكر شيء منه. ورأيت في بعض الكتب أن المأمون كان يقول: لو وصفت الدنيا نفسها لما وصفت بمثل قول أبي النواس:
ألا كل حي هالك وابن هالك ... وذو نسب في الهالكين عريق
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت ... له عن عدو في ثياب صديق
وكان محمد الأمين قد سخط على أبي نواس لقضية جرت له معه فتهدده بالقتل وحبسه. فكتب إليه من السجن:
بك أستجير من الردى ... متعوذا من سطو باسك
وحياة رأسك لا أعو ... د لمثلها وحياة راسك
من ذا يكون أبا نوا ... سك إن قتلت أبا نواسك