بعين التمر وهي بليدة بالحجاز قرب المدينة. ونشأ بالكوفة وسكن بغداد وكان يبيع الجرر فقيل له الجرار. قال أشجع السلمي الشاعر المشهور:. إذن الخليفة المهدي للناس في الدخول عليه. فدخلنا فأمرنا بالجلوس فاتفق أن جلس بجنبي بشار بن برد. وسكت المهدي فسكت الناس فسمع بشار حسا فقال لي: من هذا. فقلت: أبو العتاهية. فقال: أتراه ينشد في هذا المحفل فقلت: أحسبه سيفعل. قال فأمره المهدي فأنشد:
أتته الخلافة منقادة ... إليه تجرر أذيالها
فلم تك تصلح إلا له ... ولم يك يصلح إلا لها
ولو رامها أحد غيره ... لزلزلت الأرض زلزالها
ولو لم تطعه بناب القلوب ... لما قبل الله أعمالها
فقال لي بشار: انظر ويحك يا أشجع هل طار الخليفة عن فرشه. قال أشجع: فوالله ما انصرف أحد عند ذلك المجلس بجائزة غير أبي العتاهية. وله في الزهد أشعار كثيرة وهو من مقدمي المولدين في طبقات بشار وأبي النواس وتلك الطائفة. وشعره كثير. وتوفي ببغداد ولما حضرته الوفاة قال: اشتهي أن يجيء مخارق المغني ويغني عند رأسي. والبيتان له من جملة أبيات
إذا ما انقضت مني من الدهر مدتي ... فإن عزاء الباكيات قليل
سيعرض عن ذكري وتسنى مودتي ... ويحدث للخليل خليل
وأوصى أن يكتب على قبره=إن عيشا يكون آخره المو_ت لعيش معجل التنغيض (لابن خلكان)
هو الحارث بن أبي العلاء الحمداني كان فرد دهره وشمس عصره أدباً. وفضلاً وكرماً ومجداً. وبلاغة وبراعة. وفروسية وشجاعة. وشعره مشهور بين الحسن والجودة. والسهولة والجزالة والعذوبة. والفخامة والحلاوة. ومعه وراء الطبع وسمة الظرف وعزة الملك. ولم تجتمع هذه الخلال قبله إلا في شعر عبد الله بن المعتز. وأبو فراس يعد أشعر منه عند أهل الصنعة ونقدة الكلام. وكان الصاحب بن عباد يقول: بدئ الشعر بملك وختم بملك. يعني امرأ القيس وأبا فراس. وكان المتنبي يشهد له بالتقدم والتبريز ويتحامى جانبه. فلا ينبري لمباراته. ولا يجترئ على مجارته. وإنما لم يمدحه ومدح من دونه من آل حمدان تهيبا له وإجلالا. لا إغفالا وإضلالا. وكان سيف الدولة يعجب جدا بمحاسن أبي فراس ويميزه بالإكرام على سائر قومه. ويستصحبه في غزواته ويستخلفه في أعماله. وأسر أبو فراس مرتين فالمرة الأولى بمغارة الكحل في سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة وما تعدوا به خرشنة وهي قلعة ببلاد الروم والفرات يجري من تحتها. وفيها أنه ركب فرسه وركضه برجله فأهوى به من أعلى الحصن