دار الخلد والمقامة. فلما أضاء لهم الصبح باكروا مراكزهم فتقدموا واحدا بعد واحد ينشدون أراجيز يذكرون فيها وصية العجوز لهم حتى قتلوا عن آخرهم. فبلغها الخبر فقالت: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم. وأرجو من ربي أن يجمعني بهم مستقر الرحمة. وكان عمر بن الخطاب يعطيها أرزاق بنيها الأربعة وكان لكل منهم مئتا درهم حتى قبض. ومن قولها في أخيها صخر:
ألا يا صخر أن أبكيت عيني ... فقد أضحكتني زمنا طويلا
بكيتك في نساء معولات ... وكنت أحق من أبدى العويلا
دفعت بك الخضوب وأنت حي ... فمن ذا يدفع الخطب الجليلا
إذا قبح البكاء على قتيل ... رأيت بكاءك الحسن الجميلا
ولها فيه:
إذهب فلا يبعدنك الله من رجل ... دراك ضيم وكلاب بأوتار
فسوف أبكيك ما ناحت مطوقة ... وما أضاءت نجوم الليل للساري
وقالت أيضا:
وما بلغت كف امرئ متناولا ... من المجد إلا والذي نلت أطول
وما بلغ المهدون للناس مدحة ... وإن أطنبوا إلا الذي فيك أفضل
هو أبو ثور بن عبد الله الزبيدي الصحابي من سادات أهل اليمن وفصحائهم يقول الشعر الحسن. وكان يعيد الغارة وشهد يوم القادسية وله فيها بلاء حسن. وكان هو آخر القوم. وكانت فرسه ضعيفة فطلب غيرها. فأتى بفرس بعكوة ذنبه وأجلد به إلى الأرض فأقعى الفرس فرده. وأتى بآخر ففعل به مثل ذلك فتحلحل ولم يقع. فقال: هذا على كل حال أقوى من تلك. وقال لأصحابه. إني حامل وعابر الجسر فإن أسرعتم بمقدار جزر الجزور وجدتموني وسيفي بيدي أقاتل به تلقاء وجهي وقد عقرني القوم وأنا قائم بينهم وقد قتلت وجردت. وإن أبطأتم وجدتموني قتيلا بينهم وقد قتلت وجردت ثم انغمس فحمل في القوم فقال بعضهم: يا بني زبيد تدعون صاحبكم والله ما نرى أن تدركوه حيا. فحملوا فانتهوا غليه وقد صرع عن فرسه وقد أخذ برجل فرس رجل من العجم فأمسكها وإن الفارس ليضرب الفرس فما تقدر أن تتحرك من يده. فلما غشيناه رمى الأعجمي بنفسه وخلى فرسه فركبه عمرو فصرعني. ثم شد على رستم وهو الذي كان قدمه ملك الفرس وكان رستم على فيل. فجذم عرقوبيه فسقط فمات رستم من ذلك فانهزم الفرس. وله في الحروب أخبار مأثورة يضرب الأعداء بسيفه الصمصامة. قيل أن عمر بن الخطاب استوهبه الصمصامة فوهبه عمرو له. فقيل