فأخرج لسانه كأنه حية ثم قال: هذا إذا طمع. وأخبر المدائني قال: مر ابن الحمامة بالحطيئة وهو جالس بفناء بيته فقال: السلام عليكم. فقال: قلت ما لا ينكر. قال: إني خرجت من أهلي بغير زاد. فقال: ما ضمنت لأهلك قراك. قال: أفتأذن لي أن آتي ظل بيتك فأتفيأ به. قال: دونك الجبل يفيء عليك. قال: أنا ابن الحمامة. قال: انصرف وكن ابن أي طائر شئت. ومن شعره في المديح:

أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا ... وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا

وإن كانت للنعماء فيهم جزوا بها ... وإن أنعموا لا كدروها ولا كدوا

وإن قال مولاهم على جل حادث ... من الدهر ردوا فضل أحلامكم ردوا

وكان الحطيئة يهجو الزبرقان بن بدر. فاستعدى عليه الزبرقان عمر بن الخطاب فرفعه عمر إليه ثم أمره به فجعل في بئر فأنشده:

ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ ... زغب الحواصل لا ماء ولا شجر

ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة ... فاغفر عليك سلام الله يا عمر

أنت الإمام الذي من بعد صاحبه ... ألقى إليك مقاليد النهى البشر

لم يؤثروك بها إذ قدموك لها ... لكن لأنفسهم كانت بك الأثر

فأمنن على صبية بالرمل مسكنهم ... بين الأباطح تغشاهم بها القرر

فأخرجه وقال له: إياك وهجاء الناس. فأقام بالبادية إلى وفاته في خلافة عمر وكان قد بلغ من العمر نيفا ومائة سنة (الأغاني للأصفهاني)

الخنساء (646 م) (24 هجري)

هي تماضر بنت عمرو بن الشريد من سراة قبائل سليم من أهل نجد من شواعر العرب. وأجمع علماء الشعر أنه لم تكن قط امرأة قبلها ولا بعدها أشعر منها. وكان النابغة الذبياني يجلس لشعراء العرب بعكاظ على كرس ينشدونه فيفضل من يرى تفضيله. فأنشدته في بعض المواسم فأعجب بشعرها وقال لها: لولا أن هذا الأعمى أنشدني قبلك (يعني الأعشى) فضلتك على شعراء هذا الموسم. وأكثر شعرها في مراثي أخويها معاوية وصخر. وكان صخر قتل يوم الكلاب من أيام العرب. فلما مات دفن في أرض بني سليم بقرب عسيب وحضرت الخنساء القادسية مع بنيها وهم أربعة رجال فقالت لهم من أول الليل: يا بني أنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين. والله الذي لا إله إلا هو إنكم لبنو رجل واحد كما أنكم بنو امرأة واحدة ما هجنت حسبكم. ولا غيرت نسبكم. واعلموا أن الدار الآخرة خير من الدار الفانية. اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون. فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقيها. وجللت نارا على أوراقها. فتيمموا وطيسها. وحالدوا رسيسها. وتظفروا بالغنم والكرامة. في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015