قال: فلم هجوتني. قال: من أنت. قال: أنا عبد الله بن جدعان. قال: هجوتك لأنك كنت امرءاً كريماً فأحببت أن أضع شعري موضعه. فقال له عبد الله: لئن كنت هجوت لقد مدحت وكساه وحمله على ناقة برحلها. فاقل دريد يمدحه:

إليك ابن جدعان أعملتها ... مخففة للسرى والنصب

فلا خفض حتى تلاقي امرءاً ... جواد الرضا وحليم الغضب

وجلدا إذا الحرب مرت به ... يعين عليها بجزل الحطب

رحلت البلاد فما إن أرى ... شبيه ابن جدعان وسط العرب

سوى ملك شامخ ملكه ... له البحر يجري وعين الذهب

وكانت وفاته في وقعة حنين أدركه ربيعة بن رفيع السلمي فأخذ بخطام جمله وهو يظن أنها امرأة وذلك أنه كان شعار له فأناخ به. فإذا هو برجل شيخ كبير ولم يعرفه الغلام. فقال له دريد: ماذا تريد. قال: أقتلك. قال: ومن أنت. قال: أنا ربيعة بن رفيع السلمي. فأنشأ دريد يقول:

ويح ابن أكمة ماذا يردي ... من المرعش الذاهب الأدرد

فأقسم لو أن بي قوة ... لولت فرائصه ترعد

ويا لهف نفسي أن لا تكون ... معي قوة الشامخ الأمرد

ثم ضربه السلمي بسيفه فلم يغن شيئاً. فقال له: بئس ما سلحتك أمك. خذ سيفي هذا من مؤخر رحلي في القراب فاضرب وارفع عن العظام واخفض عن الدماغ. فإني كذلك كنت أفعل بالرجال. ففعل كما قال فوقع صريعا (لأبي زكريا النووي)

زهير بن أبي سلمى (631 م) وابنه كعب بن زهير (626 م)

زهير هو ربيعة بن رياح المزني. وكان سيدا كثير المال في الجاهلية حليما معروفا بالورع. وهو أحد الثلاثة المقدمين على سائر الشعراء. وهم امرؤ القيس وزهير والنابغة الذبياني. وكان أبو بكر يسميه شاعر الشعراء لأنه كان لا يعاظل في الكلام. وكان يتجنب وحشي الشعر ولم يمدح أحدا إلا بما فيه ويبعد عن سخف الكلام. ويجمع كثير المعاني في قليل من الألفاظ. وكان يطنب في مديح هرم بن سنان المري من آل أبي حارثة أحد غطارفة العرب. وله فيه غرر القصائد. وكان هرم قد آلى أن لا يمدحه زهير إلا أعطاه ولا يسأله إلا أعطاه. ولا يسلم عليه إلا أعطاه عبدا أو وليدة أو فرسا. فاستحيا زهير مما كان يقبله منه. فكان إذا رآه في مل قال: عموا صباحا غير هرم وخيركم استثنيت. حدث الجوهري عن عمر قال: قال عمر لابن زهير: ما فعلت الحلل التي كساها هرم أباك. قال: أبلاها الدهر. قال: لكن الحلل التي كساها أبوك هرما لم يبلها الدهر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015