معدود من شياطين الدول وأنت في الطرس والنقس بين بناء وغواص. فلو جريت خلفي إلى أن تخفى. وصحت بصريرك إلى أن تخفت وتخفى. لما كنت مني إلا بمنزلة المدرة من السماك الرامح. والبعرة على تيار الخضم الطافح. فلا تعد نفسك بمعجزي فإنك ممن يمين. ولا تحلف لها أن تبلغ مداي فليس لمخضوب البنان يمين. ومن صلاح نجمك أن تعترف بفضلي الأكبر. وتؤمن بمعجزتي التي بعثت منك إلى الأسود والأحمر. لتستوجب حقا. وتسلم من نار حر تلظى لا يصلاها إلا الأشقى. وإن لم يتضح لرأيك إلا الإصرار. وأبت حصائد لسانك إلا أن توقعك في النار. فلا رعى الله عزائمك القاصرة. ولا جمع عقارب ليل نفسك التي إن عادت فإن نعال السيوف لها حاضرة. ثم قطع الكلام. وتمثل بقول أبي تمام:
السيف أصدق إنباء من الكتب ... في حده الحد بين الجد واللعب
بيض الصفائح لا سود الصحائف في ... متونهن جلاء الشك والريب.
فلما تحقق تحريف القلم حرجه. وفهم مقدار الغيظ الذي أخرجه. وسمع هذه المقالة التي يقطر من جوانبها الدم. ورأى أنه هو البادي بهذه المناقشة والبادي أظلم. رجع إلى خداعه. وتنحى عن طريق قراعه. وعلم أن الدهر دهره. والقدر على حكم الوقت قدره. وأنه أحق بقول القائل:
لحنها معرب وأعجب من ذا ... أن إعراب غيرها ملحون