وفي أيامه ظهر القرامطة وهم قوم من الخوارج خرجوا وقطعوا الدرب على الحاج. واستأصلوا شأفتهم وقتلوا فيهم مقتلة عظيمة. وسرح المكتفي إليهم جيوشا كثيرة فأوقع بهم وقتل بعض زعمائهم. وكانت خلافة المكتفي ست سنين. فانقصف غصن شبابه القشيب. ويبس عود جماله النضر الرطيب. فانتقل من دار الفناء إلى دار الجزاء والبقاء. ثم قام بالأمر بعده أخوه أبو الفضل جعفر المقتدر بويع له يوم وفاة أخيه وهو ابن ثلاث عشر سنة. وضعف دست الخلافة في أيامه. وكان المقتدر سمحا كثير الإنفاق وولي الخلافة ثلاث مرات فتغلب الجند عليه واتفقوا على خلعه وعقدوا البيعة لأبي العباس بن المعتز. وكان ابن المعتز أكثر العباسيين فضلا وأدبا ومعرفة موسيقى وأشعر الشعراء مطلقا في التشبيهات المبتكرة الغريبة للرقص التي لا يشق غباره فيها أحد. فأرسل المقتدر وقبض على ابن المعتز وقتله في حبسه واستقام الأمر للمقتدر بعد الاضمحلال ولاح بدر فلاحه بعد الزوال وهذه ولايته الثانية. ثم جرت بين المقتدر وبين مؤنس المظفر أمير الجيوش منافرة أدت إلى خلع المقتدر ومبايعة أخيه القاهر. ثم أعيد المقتدر ثالثة وحمله الجنود على أعناقهم إلى دار الخلافة فجلس على السرير وصفح عن أخيه القاهر. ثم وقع بينه وبين مؤنس حرب فتوغل المقتدر في المعركة فضربه واحد من البربر فسقط إلى الأرض فقال لضاربه: ويحك أنا الخليفة. فقال له: أنت المطلوب وذبحه بالسيف. وفي أيامه نبعت الدولة الفاطمية بالمغرب. وولي أخوه القاهر بالله مكانه فما لبث أن هر القاهر المذكور وسلمت عيناه فجعل يستعطي في شوارع بغداد (للدميري)
وعقبه في الخلافة أبو العباس بن المقتدر ولقبوه الراضي بالله. وفي أيامه ضعف أمر الخلافة العباسية فكانت فارس في يد ابن بويه. والموصل وديار بكر في يد بني حمدان. ومصر والشام في يد الفاطميين. والأندلس في يد الرحمن الأموي. فلم يبق في يد الراضي سوى بغداد وما والاها. فبطلت دواوين المملكة ونقص قدر الخلافة وعم الخراب. ثم تولى بعده أبو إسحاق أخوه ولقب المتقي بالله لم يكن له من السيرة ما يأسر وقبض عليه توزون التركي وسمل عينيه سنة (333) . وبويع بعده لابن عمه المستكفي بالله واستمر في خلافته سنة واحدة وامسكه من أمرائه معز الدولة بن بويه فسمل عينيه وضمه إلى المتقي بالله والقاهر بالله فصاروا ثلاثة أثافي العمى. وولي الخلافة بعده ابن عمه المطيع لله سنة (334) . وفي أيامه قويت شوكة آل بويه وتم أمكره على ضعف الخلافة وطالبت أيامه إلى أن خلع نفسه
وبويع لولده عبد الكريم في سنة (363) . ولقب الطائع لله وكان مغلوبا عليه من قبل أمرائه. وما كان له إلا العظمة الظاهرة. وكان شديد القوة. في خلقه حدة كريما شجاعا