وهم المنتصر والمعتز والمؤيد. وفي ثماني وثلاثين ومائتين انتهى الروم إلى دمياط بالأساطيل فأحرقوا وسبوا وساروا إلى مصر ورجعوا ولم يعرض لهم أحد. وفي سنة سبع وأربعين كثر المماليك الأتراك في بغداد فاستولوا على المملكة فصار بيدهم الحل والعقد والولاية والعذل إلى أن حملهم الطغيان على العدوان. وسطوا على الخليفة المتوكل وكان بين المتوكل وابنه المنتصر مباينة. فاتفق مع باغر قائدهم فدخلوا عليه في مجلس أنسه وعنده الوزير الفتح بن خاقان فصاح الفتح: ويلكم هذا سيدكم. ورمى بنفسه فضربهما باغر فماتا جميعا
ثم خلفه ابنه المنتصر بالله ولم يتهن بالخلافة لاستيلاء المماليك الأتراك على المملكة فدسوا إلى طبيبه ليسمه ففصده بمبضع مسموم فمات ستة أشهر من مبايعته. ويحكى أنه بات ليلة في وعكة وانتابه فزعا وهو يبكي فسألته أمه: ما يبكيك. قال: أفسدت ديني ودنياي رايت ابي الساعة وهو يقول: قتلتني يا محمد لأجل الخلافة والله لا تتمتع بها إلا أياما ثم مصيرك إلى النار. فاستمر موهوما من ذلك المنام فما عاش بعد ذلك غلا أياما قلائل. ثم ملك بعده المستعين بالله وهو أحمد بن محمد بن المعتصم بايعه الأمراء وأكابر المماليك ولم يولوا أحدا من ولد المتوكل لئلا يطالب بدمه. وكانت تلك الأيام أيام فتن وحروب وخروج خوارج. واعلم أن المستعين كان مستضعفا في رأيه وعقله وتدبيره. وكانت أيامه شديدة الاضطراب ولم يكن فيه من الخصال المحمودة إلا أنه كان كريما وهوبا خلع في سنة اثنتين وخمسين ثم قتل بعد ذلك. وملك بعده المعتز بالله وهو أبو عبد الله محمد بن المتوكل بويع بالخلافة سنة اثنين وخمسين ومائتين عقيب خلع المستعين وكان المعتز جميل الشخص حسن الصورة. ولم يكن بسيرته ورأيه وعقله بائس إلا أن الأتراك كانوا قد استولوا منذ قتل المتوكل على المملكة واستضعفوا الخلفاء فكان الخليفة في يدهم كالأثير إن شاؤوا أبقوه وإن شاؤوا خلعوه وإن شاؤوا قتلوه. قيل أنه لما جلس المعتز على سرير الخلافة قعد خواصه وأحضر المنجمين وقال لهم: انظروا كم يعيش