ورغبتهم في تعليمها. فكان يخلو بالحكماء ويأنس بمناظرتهم ويلتذ بمذاكراتهم علما منه بأن أهل العلم هم صفوة الله من خلقه ونخبته من عباده. إنهم صرفوا عنايتهم إلى نيل فضائل النفس الناطقة وزهدوا فيما يرغب فيه الصين والترك. ومن نزع منزعهم من التنافس في دقة الصنائع العملية. والتباهي بأخلاق النفس والتفاخر بالقوى. إذ علموا أن البهائم تشركهم فيها وتفضلهم في كثير منها. فلهذا السبب كان أهل العلم مصابيح الدجى وسادة البشر وأوحشت الدنيا لفقدهم.
بويع يوم وفاة المأمون ولما بويع له تشغب الجند ونادوا باسم العباس بن المأمون فخرج إليهم العباس وقال لهم: قد بايعت عمي فسكنوا. وكان المعتصم سديد الرأي يحمل ألف رطل ويمشي بها. وانتشأ عامياً يكتب كتابة مغشوشة ويقرأ قراءة ضعيفة. وهو أول من أدخل الأتراك الدواوين وكان يتشبه بملوك الأعاجم. وبلغ غلمانه الأتراك ثمانية عشرة ألفاً. وألبسهم أطواق الذهب والديباج وكانوا يطردون الخيل في بغداد فضاقت بهم المدينة وتأذى بهم الناس. فبنى المعتصم مدينة سر من رأى بقرب بغداد وانتقل إليها سنة (220هـ) . وفي سنة ثلاث وعشرون ومائتين خرج توفيل بن ميخائيل ملك الروم إلى بلاد المسلمين فأوقع بأهل زبطرة وعاد غلى مالطية وغيرها فاستباحها قتلا وسبيا. فاستعظمه المعتصم ولما بلغه أن عمورية عين