وقام المأمون بأنباء الخلافة وتدبير المملكة قيام حزماء الملوك وفضلائهم. ثم خرج إلى الثغر ودخل بلاد الجزيرة والشام وأقام بها مدة طويلة ثم غزا الروم وفتح فتوحات كثيرة وأبلى بلاء حسنا. وتوفي في بعض غزواته سنة ثماني عشرة ومائتين وهو ابن تسع وأربعين سنة. وكانت خلافته عشرين سنة ودفن بطرسوس
قال القاضي صاعد بن أحمد الأندلسي: إن العرب في صدر الإسلام لم تعن بشيء من العلوم إلا بلغتها ومعرفة أحكام شريعتها حاشا صناعة الطب. فإنها كانت موجودة عند أفراد منهم غير منكورة عند جماهيرهم لحاجة الناس طرأ غليها. فهذه كانت حال العرب في الدولة الأموية. فلما أدال الله تعالى للهاشمية وصرف الملك إليهم ثابت الهمم من غفلتها. وهبت الفطن من ميتتها. فكان أول من عني منهم بالعلوم الخليفة الثاني أبو جعفر المنصور. وكان مع براعته في الفقه كلفا في علم الفلسفة وخاصة في علم النجوم. ثم لما أفضت الخلافة فيهم إلى الخليفة السابع عبد الله المأمون بن هارون الرشيد تمم ما بدأ به جده المنصور فأقبل على طلب العلم في مواضعه. وداخل ملوك الروم وسألهم صلته بما لديهم من كتب الفلسفة. فبعثوا غليه منها ما حضرهم. فاستجاد لها مهرة التراجمة وكلفهم إحكام ترجمتها. فترجمت له على غاية ما أمكن ثم حرص الناس على قراءتها