قميصه ولم يكن يرى في دار المنصور لهو ولعب. قال يزيد بن هبيرة: ما رأيت رجلا في حرب أو سلم أمكر أو أنكر ولا أشد تيقظا من المنصور. لقد حاصرني تسعة شهور ومعي فرسان العرب فجهدنا كل الجهد حتى ننال من عسكره شيئا فما قدرنا لشدة ضبطه له وتيقظه. ورتب القواعد وأقم الناموس. وكان مبخلاً يضرب بشحه الأمثال. فسمي لبخله أبا الدوانيق لمحاسبة العمال والصناع على الدانق والحبة. والصحيح أنه كان رجلا حازما يعطي في موضع العطاء ويمنع في موضع المنع. وكان المنع عليه أغلب. ولما بويع للمنصور قتل أبا مسلم الخراساني وكان سبب قتله أن أبا مسلم كان قد قدم من الحج مع أبي جعفر المنصور فأرسله لقتال عمه عبد الله بن علي وكان عبد الله بأرض نصيبين. فاقتتل هو وأبو مسلم عدة دفوع حتى انهزم عبد الله بن علي وظفر بعسكره. فكتب المنصور إلى أبي مسلم بالولاية على مصر والشام وصرفه عن خراسان. فلم يجب أبو مسلم إلى ذلك وتوجه يريد خراسان. فخافه أبو جعفر المنصور وأجمع الرأي وعلم المكايد وهجر النوم إلى أن اقتنصه. فلما دخل على المنصور أقبل عليه يعاتبه ويذكر عثراته. فجعل أبو مسلم يعتذر إليه. فقال: قتلني الله إن لم أقتلك. ثم أوعز إلى حرسه فضربوه بسيوفهم وهو يصرخ ويستأمن ويقول: استبقني لعدوك يا أمير المؤمنين. فقال له المنصور: وأي عدو إلي أعدى منك. وكان أبو مسلم ذا رأي وتدبير وحزم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015