لقد تعب الشوق ما بيننا ... فمنه إلي ومني إليه

وله وقد شاخ وغلب عليه الشيب:

إني نظرت إلى المرآة إذ جليت ... فأنكرت مقلتاي ك ما رأتا

رأيت فيها شيخا لست أعرفه ... وكنت أعهده من قبل ذاك فتى

فقلت أين الذي بالأمس كان هنا ... متى ترحل عن هذا المكان متى

فاستضحكت ثم قالت وهي معجبة ... إن الذي أنكرته مقلتاك أتى

كانت سليمى تنادي يا أخي وقد ... صارت سليمى تنادي اليوم يا أبتا

وأوصى أنه إذا مات يكتب على قبره هذه الأبيات وفيها إشارة إلى طبه ومعالجته للناس وهي:

تأمل بحقك يا واقفا ... ولاحظ مكانا دفعنا إليه

تراب الضريح على وجنتي ... كأني لم أمش يوما عليه

أداوي الأنام حذار المنون ... وها أنا قد صرت رهنا لديه

وتوفي ممتحنا بعلة بين كتفيه بمدينة قرطبة (لابن خانكان)

ابن سينا (370-428هـ) (980-1037م)

هو أبو علي الحسين بن سينا الشيخ الرئيس حكى عن نفسه قال: إن أبي كان رجلا من بلخ. ثم انتقلنا إلى بخارى في أيام نوح بن منصور وأحضرت معلم القرآن والأدب. فكملت العشر من العمر وقد أتيت على القرآن وعلى كثير من الأدب حتى كان يقضى مني العجب. ثم جاء إلى بخاري أبو عبد الله الناتلي وكان يدعي الفلسفة فأنزله أبي دارنا رجاء تعلمي منه. فقرأت ظواهر المنطق عليه وإما دقائقه فلم يكن عنده منها خبره. ثم أخذت أقرأ الكتب على نفسي وأطالع الشروح وكذلك كتاب إقليدس فقرأت من أوله خمسة أشكال أو ستة عليه. ثم توليت حل الكتاب بأسره. ثم انتقلت إلى المجسطي وفارقين الناتلي ثم رغبت في علم الطب وصرت أقرأ الكتب المصنفة فيه وتعهدت المرضى فانفتح علي من أبواب المعالجات المقتبسة من التجربة ما لا يوصف. وأنا في هذا الوقت من أبناء ست عشرة سنة. ثم توفرت على القراءة سنة ونصفا ولكما كنت أتحير في مسألة أو لم أكن أظفر بالحد الأوسط في قياس ترددت إلى الصلاة وابتهلت إلى مبدع الكل حتى فتح لي المغلق والمتعسر. وكنت أرجع بالليل إلى داري واضع السراج بين يدي واشتغل بالقراءة والكتابة. فمهما غلبني النوم أو شعرت بضعف عدلت إلى شرب قدح من الشراب ريثما تعود إلي قوتي. ثم أرجع إلى القراءة ومتى أخذني أدنى نوم أحلم بتلك المسائل بأعيانها. حتى أن كثيرا منها انفتح لي وجوهها في المنام. ولم أزل كذلك حتى أحكمت علم المنطق والطبيعي والرياضي. ثم عدت إلى العلم الإلهي وقرأت كتاب ما بعد الطبيعة. فما كنت أفهم ما فيه والتبس علي غرض واضعه. حتى أعدت قراءته أربعين مرة وصار لي محفوظا وأنا مع ذلك لا أفهمه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015