ما أنساه الماضي بالحال. وأغناه عن طول الترحال. فأنفذ إليه الملك بأن يملي محمد بن جزي الكلبي ما شاهده في رحلته من الأمصار. وما علق بحفظه من نوادر الأخبار. فأملى من ذلك ما فيه نزهة الخواطر. وبهجة المسامع والنواظر. من كل غريبة أفاد باجتلائها. وعجيبة أطرف بانتحائها. فامتثل ابن جزي ما أمر به. فضم أطراف ما أملاه ابن بطوطة في تصنيف جاء على فوائده مشتملا. ولنيل مقاصده مكملا. فوسمه بتحفة النظار. في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار. (لابن جزي)
هو أبو الحسين الكناني صاحب الرحلة. ولد ببلنسية وعني بالأدب فبلغ الغاية فيه وتقدم في صناعة القريض والكتابة. ومن شعره قوله وقد دخل إلى بغداد فاقتطع غصنا نضيرا من أحد بساتينها فذوى في يده:
لا تعترب عن وطن ... واذكر تصاريف النوى
أما ترى الغصن إذا ... ما فارق الأصل ذوى
وقوله يخاطب من أهدى له موزا: يا مهدي الموز تبقى=وميمه لك فاء
وزايه عن قريب ... لمن يعاديك تاء
ثم رحل إلى دمشق ودخل بغداد وانكفأ راجعا إلى المغرب وكان انفصاله عن غرناطة ثانية بقصد الرحلة الشرقية سنة 578. ونزل البر الإسكندري وتجول في البلاد ودخل الشام والعراق والجزيرة ورحلته مشهورة بأيدي الناس وكانت وفاته بالإسكندرية.
هو أبو الحسن نور الدين بن سعيد الأديب الرحالة الطرفة العجيب الشأن في التجول في الأقطار ومداخلة الأعيان. المتمتع بالخزائن العلمية. وتقييد الفوائد المشرقية والمغربية. أخذ من أعلام اشبيلية وتآليفه كثيرة منها المرقصات والمطربات وموضوعات غريبان في أسفاره إلى المغرب والمشرق. وتعاطى نظم الشعر في حد من الشبيبة يعجب فيه من ذلك قوله في صفة نهر:
كأنما النهر صفحة كتبت ... أسطرها والنسيم ينشئها
لما أبانت عن حسن منظرها ... مالت عليها الغصون تقرؤها
وقال باقتراح الملك الصالح صاحب حمص أن يكتب بالذهب على تفاحة عنبر قدمها لابن عمه الملك الصالح ملك الديار المصرية:
أنا لون الشباب والخال أهدي ... ت لمن قد كسا الزمان شبابا