نتزود من ثمارها وحسن آثارها. وولي نيسابور في سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة. فنشر بها بزه وأظهر طرزه وأملى أربعمائة مقامة نحلها أبا الفتح الإسكندري في الكدية وغيرها. وضمنها ما تشتهي الأنفس من لفظ أنيق. قريب المأخذ. بعيد المرام. وسجع رشيق المطلع والمقطع كسجع الحمام. وجد يروق فيملك القلوب وهزل يشوق فيسحر العقول. ثم ألقى عصاه بهراة فعاش فيها عيشة راضية. وحين بلغ أشده واربى على أربعين سنة ناداه الله فلباه وفارق دنياه. فقامت نوادب الأدب وانثلم حد القلم. وبكاه الفضائل والأفاضل. ورثاه الأكارم مع المكارم. على أنه ما مات من لم يمت ذكره. ولقد خلد من بقي على الأيام نظمه ونثره (اليتيمة للثعالبي)
هو أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي النيسابوري كان في وقته راعي تلعات العلم. وجامع أشتات النثر والنظم. ورأس المؤلفين في زمانه. وإمام المصنفين بحكم قرآنه. وسار ذكره سير المثل. وضربت إليه آباط الإبل. وطلعت دواوينه في المشارق والمغارب. طلوع النجم في الغياهب. تآليفه أشهر مواضع. وأبهر مطالع. وأكثر روا لها وجامع. من أن يستوفيها أحد أو وصف. أو يوفي حقوقها نظم أو رصف. وذكر له طرف من النثر ونورد شيئاً من نظمه. فمن ذلك ما كتبه إلى الأمير أبي الفضل الميكالي:
لك في المفاخر البلاغة جمة ... أبدا لغيرك في الورى لم تجمع
بحران بحر في البلاغة شابه ... شعر الوليد وحسن لفظ الأصمعي
وترسل الصابي يزين علوه ... خط ابن مقلة ذو المحل الأرفع
شكرا فكم من فقرة لك كالغنى ... وافى الكريم بعبد فقر مدقع
وإذا تفتق نور شعرك ناضرا ... فالحسن بين مرصع ومصرع
أرجلت فرسان الكلام ورضت أفراس البديع وأنت أمجد مبدع
ونقشت في فص الزمان بدائعاً ... تزري بآثار الربيع الممرع
وله من التآليف يتيمة الدهر. في محاسن أهل العصر. وهو أكبر كتبه وأحسنها وأجمعها. وفيها يقول أبو الفتوح نصر الله بن قلاقس الشاعر الإسكندري المشهور:
أبيات أشعار اليتيمة ... أبكار أفكار قديمه
ماتوا وعاشت بعدهم ... فلذاك سميت اليتيمه
وله أيضا كتاب فقه اللغة وسحر البلاغة وسر البراعة. ومونس الوحيد في المحاضرات. جمع فيها أشعار الناس وأخبارهم. وفيها دلالة على كثرة اطلاعه (الذخيرة لابن بسام)
هو أبو محمد القاسم بن علي الحريري البصري الحرامي صاحب المقامات. كان أحد