والشعراء. وله المصنفات المستملحة منها كتاب الأغاني الذي وقع الاتفاق على أنه لم يعمل في بابه مثله. يقال أنه جمعه في خمسين سنة وحمله إلى سيف الدولة بن حمدان فأعطاه ألف دينار واعتذر إليه. وحكي عن الصاحب بن عباد أنه كان في أسفاره وتنقلاته يستصحب حمل ثلاثين جملاً من كتب الأدب ليطالعها. فلما وصل إليه كتاب الأغاني لم يكن بعد ذلك يستصحب سواه استغناء به عنها. ومنها كتاب الإماء الشواعر وكتاب الديارات وكتاب الحانات وآداب الغرباء. وحصل له ببلاد الأندلس كتب صنفها لبني أمية ملوك الأندلس يوم ذاك وسيرها إليهم سراً وجاءه الأنعام منهم سرا. ومن ذلك كتاب أيام العرب وسبعمائة يوم وكتاب التعديل والافتصاف في مآثر العرب ومثالبها وغير ذلك وكان منقطعاً إلى وزير المهلبي وله فيه مدائح منها قوله:
ولما انتجعنا لائذين بظله ... أعان وما عني ومن وما منا
وردنا عليه مقترين فراشنا ... وردنا نداه مجدبين فاخصبنا (لابن خلكان)
هو أبو الفضل أحمد بن الحسين الهمذاني مفخر همذان ونادرة الفلك وبكر عطارد وفريد الدهر وغرة العصر. ومن لم يلف نظيره في ذكاء القريحة وسرعة الخاطر وشرف الطبع. وصفاء الذهن وقوة النفس. ولم يدرك قرينه في ظرف النثر وملمحه وغرر النظم ونكته. ولم يرو أن أحداً بلغ مبلغه من لب الأدب وسره. وجاء بمثل إعجازه وسحره. فإنه كان صاحب عجائب وبدائع وغرائب ولقبه بالبديع يدل على قدره. فمنها أنه كان ينشد القصيدة لم يسمعها قط وهي أكثر من خمسين بيتاً. فيحفظها كلها ويوردها إلى آخرها لا ينخرم حرف منها. وينظر في الأربع والخمس الأوراق من كتاب لم يعرفه ولم يره نظرة واحدة خفيفة ثم يعيدها عن ظهر قلبه. هذا ويسردها سرداً. وكان يقترح عليه عمل قصيدة وإنشاء رسالة في معنى غريب وباب بديع. فيفرغ منها في الوقت والساعة والجواب ما فيها. وكان ربما يكتب الكتاب المقترح عليه فيبتدئ بآخر سطوره ثم هلم جرا إلى الأول ويخرجه كأحسن شيء وأملحه. ويوشح القصيدة الفريدة من قبله بالرسالة الشريفة من إنشائه. فيقرأ من النظم النثر ومن النثر النظم. ويعطي القوافي الكثيرة فيصل بها الأبيات الرشيقة. ويقترح عليه كل عروض من النظم والنثر في فيرتجعه في أسرع من الطرف على ريق لا يبلعه ونفس لا يقطعه. وكلامه كله عفو الساعة وفيض اليد ومسارقة القلم ومجارات الخاطر. وكان مع هذا مقبول الصورة خفيف الروح حسن العشرة ناصع الطرف. عظيم الخلق شريف النفس. كريم العهد خالص الود. حلو الصداقة مر العداوة. فارق همذان سنة ثمانين وثلاثمائة وهو مقتبل الشبيبة غض الحداثة. وقد درس على أبي الحسين ابن فارس وأخذ عنه جميع ما عنده. واستنفذ علمه وورد حضرة الصاحب أبي القاسم بن عباد.