البلد نحو ميل. ضاق من كثرة الخلق علينا السبيل. وانثالوا من كل ناحية ومكان. وتجمعوا من جميع البلدان. وهم قاصدون إلى البلدة التي خرجنا منها. والبقعة التي تجاوزنا عنها. ويقلون دخل البلد بعض الوعاظ. وقد فاق في بلاغته خطيب عكاظ. وإنه سيخطب ويعظ الناس يوم الجمة. فطوبى لمن يراه ويسمعه. فرجعت دون رفقتي. وأخذت معي قدر نفقتي. ولما قضينا النفل والفرض. جلست لاستماع الوعظ. فأقبل الواعظ يمشي مائسا. وبردائه متطلسا وصعد المنبر وقال: الحمد لله الكبير المتعال. الذي جرت عادته بالإمهال. دون الإهمال. الذي رفع العلم حتى رفع العلم حتى قصر كل مقصر دونه. وأشهد أن لا إله إلا هو عز وجل. شهادة عبد بذل لعباده النصيحة. وحذرهم من العصيان والوقوع في الفضيحة. وبعد فيا أيها الناس أوصيكم بتقوى الله وطاعته. والاحتراز من إبليس وبطانته. فانتبهوا من سنة الغفلة. ولا تغتروا بالمهلة. فإن رسوم الدين ببلدكم قد عفت. وأعلام الهدى قد طمست. وأحام الشريعة قد عطلت. والفرائض قد رفضت. والمحارم قد انتهكت. والخمور قد سربت. والأيتام والضعفاء قد ظلمت. حتى لبس الإسلام في هذا الزمان الفر ومقلوبا. فجعل أعلاه أسفله وأسفله أعلاه. وقرب فيه الجاهل. وأبعد فيه الفاضل. واستكمل الفاجر. واستنقص فبه الطاهر. وكذب الصادق وصدق الكاذب. واستؤمن الخائن واستخون