هنديون في إفراط عنايتهم بالعلوم وحبهم فيها وضبطهم لها وروايتهم صينيون في إتقان الصنائع العملية وإحكام المهن الصورية. تركيون في معاناة الحروب ومعالجات آلاتها والنظر في مهماتها. بغداديون في نظافتهم وظرفهم ورقة أخلاقهم. ونباهتهم وذكائهم وحسن نظرهم وجودة قرائحهم ولطافة أذهانهم وحدة أفكارهم ونفوذ خواطرهم. يونانيون في استنباطهم للمياه ومعاناتهم لضروب الفراسات واختيارهم لأجناس الفواكه وتدبيرهم لتركيب الشجر وتحسينهم للبساتين بأنواع الخضر وصنوف الزهر. فهم أحكم الناس لأسباب الفلاحة. ومنهم ابن بصال صاحب كتاب الفلاحة الذي شهدت له التجربة بفضله. وهم أصبر الناس على مطاولة التعب في تجويد الأعمال. ومقاساة النصب في تحسين الصنائع. أحذق الناس بالفروسية وأبصرهم بالطعن والضرب. ومن فضائلهم اختراعهم للخطوط المخصوصة بهم (قال) وكان خطهم أولاً مشرقياً. وعد ابن غالب من فضائلهم اختراعهم للموشحات التي استحسنها أهل المشرق وصاروا ينزعون منزعها. وأما نظمهم ونثرهم فلا يخفى على من وقف عليهما علو طبقاتهم. ثم قال أبو غالب: ولما نفذ قضاء الله تعالى على أهل الأندلس بخروج أكثرهم عنها في هذه الفتنة الأخيرة المبيرة تفرقوا ببلاد المغرب الأقصى من بر العدوة في بلاد أفريقية. فأما أهل البادية فمالوا في البوادي إلى ما اعتادوه وداخلوا أهلها