وشاركوهم فيها. فاستنبطوا المياه وغرسوا الأشجار وأحدثوا الأرحي الطاحنة بالماء وغير ذلك. وعلموهم أشياء لم يكونوا يعلمونها ولا رأوها. فشرفت بلادهم وصلحت أمورهم وكثرت مستغلاتهم وعمتهم الخيرات. وأما أهل الحواضر فمالوا إلى الحواضر واستوطنوها. وأما أهل الأدب فكان منهم الوزراء والكتاب والعمال وجباة الأموال والمستعملون في أمور المملكة. ولا يستعمل بلدي ما وجد أندلس. وأما أهل الصنائع فإنهم فاقوا أهل البلاد وقطعوا معاشهم وأجملوا أعمالهم وصيروهم أتباعاً لهم ومتصرفين بين أيديهم. ومتى دخلوا في شغل عملوه في أقرب مدة وأفرغوا فيه من أنواع الحذق والتجويد ما يميلون به النفوس إليهم ويصير الذكر لهم. ولا يدفع هذا عنهم إلا جاهلي أو مبطل. ومن حكاياتهم في الذكاء واستخراج العلوم واستنباطها أن أبا القاسم عباس بن فرناس حكيم الأندلس أول من استنبط بالأندلس صناعة الزجاج من الحجارة وأول من فك بها كتاب العروض للخليل. وأول من فك الموسيقى وصنع الآلة المعروفة بالمثقال ليعرف الأوقات على غير رسم ومثال. واحتال في تطيير جثمانه وكسا نفسه بالريش ومد له جناحين وطار في الجو مسافة بعيدة. ولكنه لم يحسن الاحتيال في وقوعه. ولم يدر أن الطائر إنما يقع على زمكه ولم يعمل له ذنباً. وصنع في بيته هيئة السماء وخيل للناظر فيها النجوم والغيوم والبروق والرعود. (للمقري) .