الهندسة وحسن التقدير بحيث أنه لم يتأثر بعصف الرياح وهطل السحاب وزعزعة الزلازل. وهذا البناء ليس بين حجارته ملاط إلا ما يتخيل أنه ثوب أبيض فرش بين حجرين أو ورقة لا يتخلل بينهما الشعرة. وطول الحجر منها خمسة أذرع في سك ذراعين. قال بعضهم: ما سمعت بشيء عظيم فجئته إلا رأيته دون صفته إلا الهرمين. فإني لما رأيتهما كان رؤيتهما أعظم من صفتهما. وقد اختلفوا في من بنى الأهرام. قال بعضهم:

حسرت عقول ذوي النهى الأهرام ... واستصغرت لعظيمها الأجرام

ملس مونقة البناء شواهق ... قصرت لعال ذونهن سهام

لم أدر حين كبا التفكير دونها ... واستوهمت لعجيبها الأوهام

أقبور أملاك الأعاجم هن أم ... طلسم رمل هن أم أعلام

وزعم بعضهم أن الأهرام بمصر قبور ملوك عظام بها آثروا أن يتميزوا على سائر الملوك بعد مماتهم كما تميزوا عنهم في حياتهم. فيبقى ذكرهم على تطاول الدهور. قال أمية بن عبد العزيز:

بعيشك هل أبصرت أحسن منظراً ... على ما رأت عيناك من هرمي مصر

أنافا بأعناء السماء وأشرفا ... على الجو إشراف السماك أو النسر

وقال الفقيه عمارة اليمني الشاعر:

خليلي ما تحت السماء بنية ... تماثل في إتقانها هرمي مصر

تنزه طرفي في بديع بنائها ... ولم يتنزه في المراد بها فكري

طور بواسطة نورين ميديا © 2015