لا تهدى الأوهام إلى سبيل استقصاء التعبير عنها (لكفى مثلاً) . وكنت ترى في مقصورة الخليفة بركة يجري الماء فيها بصنعة محكمة وفي وسطها يعوم أسد عظيم الصورة بديع الصنعة شديد الروعة. لم يشاهد أبهى منه فيما صور الملوك في غابر الدهر. مطلي بذهب إبريز وعيناه جهرتان لهما وبيض شديد. فيمج الماء في تلك البركة من فيه فيبهر المناظر بحسنه وروعة منظره وثجاجة صبه. فتسقى من مجاجة جنان هذا القصر على سعتها ويستفيض على ساحاته وجنباته. وهذه البركة وتمثالها من أعظم آثار الملوك في غالب الدهر لفخامة بنيانها. وما يخص سائر البنايا فكان الناصر قد جلب إليها الرخام الأبيض المجزع من رية والأبيض من غيرها والوردي والأخضر من أفريقية. وبنى في القصر المجلس وجعل في وسطه اليتيمة التي أتحف الناصر بها إليون ملك قسطنطينية. وكانت قرامد هذا القصر من الذهب والفضة وهذا المجلس في وسطه صهريج عظيم مملوء بالزيبق. وكان في كل جانب من هذا المجلس ثمانية أبواب قد انعقدت على حنايا من العاج والأبنوس المرصع بالذهب وأصناف الجواهر قامت على سوار من الرخام الملون والبلور الصافي. وكانت الشمس تدخل على تلك الأبواب فيضرب شعاعها في صدر المجلس وحيطانه فيصير من ذلك نور يأخذ بالأبصار. وكان بناء الزهراء في غاية الإتقان والحسن وبها من المرمر والعمد كثير وأجرى فيها الماء وأحدق بها