عياناً. فحملوني بالزي الذي أنا فيه إلى المأمون. فعقد مجلساً عاماً وأدخلني إليه فلما مثلت بين يديه سلمت عليه بالخلافة. فقال: لا سلم الله عليك ولا حياك ولا رعاك. فقلت له: مهلاً يا أمير المؤمنين إن ولي الثأر محكم بالقصاص ولكن العفو أقرب للتقوى. وقد جعلك الله فوق كل عفو كما جعل ذنبي فوق كل ذنب. فإن تقتل فبعدلك وإن تعف فمن فضلك. ثم أنشدت:

ذنبي إليك عظيم ... وأنت أعظم منه

فخذ بحقك أو لا ... فاصفح بحلمك عنه

إن لم أكن عند فعلي ... من الكرام فكنه

قال: فرفع المأمون رأسه ونظر فبدرته قائلاً:

أتيت ذنباً عظيماً ... وأنت للعفو أهل

فإن عفوت فمن ... وإن قتلت فعدل

فرق لي المأمون فرأيت وجهه قد هش واستروحت روائح الرحمة من شمائله. ثم أقبل على العباس وأخيه أبي إسحاق وجميع من حضر من خاصته وقال لهم: ماذا ترون في أمره فكل أشار بقتلي إلا أنهم اختلفوا في القتلة. فقال المأمون لأحمد بن أبي خالد: ما تقول يا أحمد. فقال: يا أمير المؤمنين إن قتلته فقد وجدنا مثلك قد قتل مثله. وإن عفوت عنه لم نجد مثلك قد عفا عن مثله. فنكس المأمون رأسه مطرقاً إلى الأرض ساعة. ثم رفعه وأنشد:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015