عبدك يغني فلك علو الرأي. فقلت له: ومن أين لك أني أحسن الغناء. فقال: يا سبحان الله. مولاي أشهر من أن يخفى ألست أنت سيدي إبراهيم بن المهدي خليفتنا في الأمس الذي جعل المأمون لمن دله عليك مائة ألف درهم. فلما سمعت ذلك عظم الرجل في عيني وثبتت مروءته عندي. فتناولت العود وأصلحته وقد مر بخاطري فراق أهلي وولدي ووطني فغنيت:
وعسى الذي أهدى ليوسف أهله ... وأعزه في السجن وهو أسير
أن يستجيب لنا ويجمع شملنا ... والله رب العالمين قدير
فاستولى عليه الطرب المفرط وطاب خاطره وقال لي: يا سيدي ومولاي أتأذن لي أن أغني ما سنح بخاطري وإن كنت من غير أهل الصناعة. فقلت: وهذا من زيادة أدبك ومروءتك. فأخذ العود وأنشد:
شكونا إلى أحبابنا طول ليلنا ... فقالوا لنا ما أقصر الليل عندنا
وذاك لأن النوم يغشى عيونهم ... سريعاً ولا يغشى لنا النوم أعينا
فلو أنهم كانوا يلاقون مثلما ... نلاقي لكانوا في المضاجع مثلنا
قال إبراهيم فداخلني من الطرب ما لا مزيد عليه وأذهب مني كل ما كان بي من الهلع فقلت له: لقد أحسنت كل الإحسان وأذهبت عني ألم الأحزان. فزدني من هذه النزهات فأنشد للسموءل:
تعيرنا أنا قليل عديدنا ... فقلت لها إن الكرام قليل