وآل النشيج. فعرض كبار الصحابة على الشابين أخذ الدية. واغتنام الاثنية. فأصرا على عدم القبول. وأبيا الأخذ بثار المقتول. فبينما الناس يموجون تلهفاً لما مر. ويصيحون تأسفاً على أبي ذر. إذ أقبل الغلام. ووقف بين يدي الإمام. وسلم عليه أتم سلام. ووجهه يتهلل مشرقاً. ويتكلل عرقاً. وقال: قد أسلمت الصبي إلى أخوالي. وعرفتهم خفي أحوالي. وأطلعتهم على مكان ماله وأموالي. ثم اقتحمت هاجرات الحر. ووفيت وفاء الحر الأغر. فعجب الناس من صدقه ووفائه. وإقدامه على الموت واجترائه. فقال: من غدر لم يعف عنه من قدر. ومن وفى رحمه الطالب وعفا. وتحققت أن الموت إذا حضر لم ينج منه احتراس. وبادرت كي لا يقال ذهب الوفاء من الناس. فقال أبو ذر: والله يا أمير المؤمنين لقد ضمنت هذا الغلام ولم أعرفه من أي يوم. ولا رأيته قبل ذلك اليوم. ولكنه نظر إلى من حضر فقصدني. وقال: هذا يضمنني. فلم أستحسن رده. وأبت المروءة أن تخيب قصده. إذ ليس في إجابة القصد من باس. كي لا يقال: ذهب الفضل من الناس. فقال الشابان عند ذلك: يا أمير المؤمنين قد وهبنا لهذا
الغلام دم أبينا. فلتبدل وحشته بإيناس. كي لا يقال: ذهب المعروف من الناس. فاستبشر الإمام بالعفو عن الغلام. وعجب من صدقه ووفائه. واستغزر مروءة أبي ذر دون جلسائه. واستحسن اعتماد الشابين إتباع المعروف