ألم تر أن نسيم الصبا ... له نفس نشره صاعد
فطوراً ينوح وطوراً يفوح ... كما يفعل الفاقد الواجد
وسكب الغمام وندب الحمام ... إذا ما شكا غصنه المائد
ونور الصباح ونور الأقاح ... وقد هزه البارق الراعد
ووافى الربيع بمعنى بديع ... يترجمه ورده الوارد
وكل لأجلك مستنبط ... لما فيه نفعك يا جاحد
وكل لآلائه ذاكر ... مقر له شاكر حامد
وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه واحد
فأول ما سمعت همهمة النسيم. يترنم بصوته الرخيم. يقول بلسان حاله. مفصحاً عن سقمه وانتحاله: أنا لين الأعطاف. هين الانعطاف. سريع الائتلاف. يعترف بلطفي ذوو الألطاف. ولولا وجودي في الجو لجاف. ولا تظن أن اختلاف أهوائي. سبب إغوائي. بل اختلف في الفصول الأربع. لما هو أصلح لك وأنفع. فأهب في الربيع شمالاً فألقح الأشجار. وأعدل فصل الليل والنهار. وأهب في الصيف صباً فأنمي الثمار. وأصفي الأشجار. وأهب في الخريف جنوباً فتأخذ كل ثمرة حد طيبها. وتستوفي حق تركيبها. وأهب في الشتاء دبوراً ليخف عن كل شجرة حملها. ويجف ورقها ويبقى أصلها. فأنا الذي تنمو بي الثمار. وتزهو بي الأزهار.