الغموم. ومن صغره إلى كبره لا تراه أبداً خلياً من فكرة حتى لقب بصدر الهم. ومن أعجب ما رأيته منه أنه يتنكد في الشدة ولا يتعلل بأن يكون بعدها فرج ويتنكد في الرخاء خوفاً من أن لا يدوم (وينشد) : توقع زوالاً إذا قيل تم. (وينشد) : وعند التناهي يقصر المتطاول. وله من الحكايات في هذا الشأن عجائب. ومثل هذا عمره مخسور يمر ضياعاً. ومتى رفعك الزمان إلى قوم يذمون من العلم ما تحسنه حسداً لك وقصداً لتصغير قدرك عندك وتزهيداً لك فيه فلا يحملك ذلك على أن تزهد في علمك وتركن إلى العلم الذي مدحوه. فتكون مثل الغراب الذي أعجبه مشي الحجلة فرام أن يتعلمه فصعب عليه. ثم أراد أن يرجع إلى مشيه فنسيه فبقي مخبل المشي كما قيل:
إن الغراب وكان يمشي مشية ... في ما مضى من سالف الأجيال
حسد القطا وأراد يمشي مشيها ... فأصابه ضرب من العقال
فأضل مشيته وأخطأ مشيها ... فلذاك كنوه أبا مرقال
ولا يفسد خاطرك من جعل يذم الزمان وأهله فيقول: ما بقي في الدنيا كريم ولا فاضل ولا مكان يرتاح فيه. فإن الذين تراهم على هذه الصفة أكثر ما يكونون ممن صحبه الزمان. واستخفت طلعته للهوان. وأبرموا على الناس بالسؤال فمقتوهم وعجزوا عن طلب الأمور لأنفسهم بقطع أسبابهم. ولا تزل هذين البيتين من فكرك: