وفي أمثال العامة: من سبقك بيوم فقد سبقك بعقل. فاحتذ بأمثلة من جرب. واستمع إلى ما خلد الماضون بعد جهدهم وتعبهم من الأقوال. فإنها خلاصة عمرهم وزبدة تجاربهم. ولا تتكل على عقلك فإن النظر في ما تعب فيه الناس طول أعمارهم وابتاعوه غالباً بتجاربهم يربحك ويقع عليك رخيصاً. وإن رأيت من له عقل ومروءة وتجربة فاستفد منه ولا تضيع قوله ولا فعله. فإن في ما تلقاه تلقيحاً لعقلك وحثاً لك واهتداء. وليس كل ما تسمع من أقوال الشعراء يحسن بك أن تتبعه حتى تتدبره. فإن كان موافقاً لعقلك مصلحاً لحالك فراع ذلك عندك وإلا فانبذه نبذ النواة. فليس لكل أحد يبتسم. ولا كل شخص يكلم. ولا الجود مما يعم به. ولا حسن الظن وطيب النفس مما يعامل به كل أحد. ولله در القائل:

وما لي لا أوفي البرية قسطها ... على ما قدر ما يعطي وعقلي ميزان

وإياك أن تعطي من نفسك إلا بقدر. فلا تعامل الدون بمعاملة الكفؤ. ولا الكفؤ بمعاملة الأعلى. ولا تضيع عمرك في من يعاملك بالمطامع ويثيبك على مصلحة حاضرة عاجلة بغائبة آجلة. ولا تجف الناس بالجملة ولكن يكون ذلك بحيث لا يلحق منه ملل ولا ضجر ولا جفاء. فمتى فارقت أحداً فعلى حسنى في القول والفعل فإنك لا تدري هل أنت راجع إليه. فلذلك قال الأول: ولما مضى سلم بكيت على سلم. وإياك والبيت السائر:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015