أصله تدارأتم فأريد إدغام تاء التفاعل في الدّال التي هي فاءُ الكلمة، فسكن لأجل الإدغام، واستبدلت همزة الوصل توصُّلًا للنطق بالساكن، وهذا كثيرٌ في القرآن في تفاعل وتفعَّل نحو: {مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ} [التوبة: 38]، أصله تثاقلتم، {قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ} [النمل: 47]، أصله تطيَّرنا، {وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا} [يونس: 24]، أصله تزينت إلى غير ذلك، ونظير هذا الإدغام في تفاعل ونحوها من كلام العرب قول الشاعر:
تُولي الضجيعَ إذا ما التذَّها خَصِرًا ... عَذْبَ المذاقِ إذا ما اتَّابعَ القُبَلُ
يعني إذا ما تتابع القبل.
ومعنى: {فَادَّارَأْتُمْ} تدارأتم من الدَّرء، والدَّرء معناه الدفع، والمعنى تدافعتم قتل القتيل؛ أي: كلٌّ منكم يَدْفع قتله عن نفسه إلى صاحبه، بأنْ يقول هؤلاء: قتلهُ هؤلاء، وهؤلاء يقولون: بل أنتم الذين قتلتموه ونحن لم نقتله، واختلاف العلماء في معنى فادَّارأتم؛ أي: تنازعتم، وقول بعضهم: فادارأتم اختلفتم، كلُّهُ عائدُ إلى ما ذكرنا. وقوله: {فِيهَا} أنَّث الضمير لأنه راجعٌ إلى النفس من قوله: {فِيهَا}؛ أي: في النفس المقتولة كلُّكم يدفع قتلها عن نفسه إلى صاحبه: {وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} مخرجٌ