أمره أنْ يذبح ولده، ونسخ هذا الأمر قبل التمكن من الفعل، والتحقيق أنَّ هذا جائز وواقع، ولا شك أن فيه سؤالا معروفًا وهو أن يقول طالب العلم: إذا كان الحكم يشرع ويُنسخ قبل العمل فما الحكمة في تشريعه الأول إذا كان ينسخ قبل العمل به؟

فالجواب: أنَّ التحقيق أن حكمة التشريع منقسمة قسمة ثنائية فهي دائرة بين الامتثال والابتلاء، فإذا نسخ الحكم بعد العمل به فحكمته الامتثال، وقد امتُثِل، وإذا نسخ قبل العمل به فحكمة تشريعه الأول الابتلاء، وهو اختبار الخلق هل يتهيَّؤون للامتثال وقد وقع الابتلاء، وقد نص اللَّه -عز وجل- في قصة إبراهيم على أن الحكمة في أمره بذبح ولده -مع أنَّ الله يعلم أنه لا يمكِّنُهُ من ذلك- هي الابتلاء هل يتهيَّأ ويطيع ربَّه فيذبح ثمرة قلبه كما قال جلَّ وعلا: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ}؛ أي: تَلَّه للجبين لينفذ فيه الذبح حتى قال له ربه: {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصافات: 104 - 105]، وقال: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}، ثم إنَ الله نصَّ على أنَّ الحكمة الابتلاء بقوله: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ} [الصافات: 106].

وقوله -عزَّ وجلَّ-: {فَذَبَحُوهَا}؛ أي: فذبحوا البقرة وضربوه بجزء منها، فحيي وأخبرهم بقاتله كما يأتي، وقوله: {وَمَا كَادُوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015