وقوله: {بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [البقرة: 59] الباء سببيةٌ وما مصدريةٌ؛ أي: بسبب كونهم فاسقين، والفسق في لغة العرب: الخروج، ومنه قوله جلَّ وعلا: {إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف: 50]؛ أي: فخرج عن طاعة ربه، والعرب تقول فسقت الرطبة من قشرتها إذا خرجت، وفسقت الفأرة إذا خرجت من جحرها للإفساد.
وكون الفسق يطلق على الخروج معروفٌ في كلام العرب ومنه قول رؤبة بن العجاج:
يهوينَ في نجدٍ وغورًا غائرًا ... فواسقًا عن قصدِها جوائرا
قوله: فواسقًا عن قصدها؛ أي: خوارج عن طريق القصد إلى طريق آخر، وقال بعض العلماء: إنَّما كرَّر لفظ الظلم في قوله: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا} {فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} لأنَّ هذا الفعل الذي هو ظلمهم ذكْرُهُ له أهمية في السِّياق؛ لأنَّهم ظلموا في الوقت الذي أنعم الله عليهم، وعصوا أمر ربِّهم، ومن عادة العرب إذا كان الأمر له أهمية أنْ تكرره، سواء كانت أهميتُهُ من جهة خَيْرٍ أو أهميتُهُ من جهة شَرٍّ، كما قال الشاعر:
ليتَ الغرابَ غداةَ ينعبُ دائمًا ... كان الغرابُ مقطَّعَ الأوداجِ