وقوله: {إِلَى بَارِئِكُمْ}؛ أي: خالقكم ومخرجكم من العدم إلى الوجود، وقد ذكر جلَّ وعلا أن الخالق البارئ من صفاته، كما قال في أخريات الحشر: {الْخَالِقُ الْبَارِئُ} [الحشر: 24] والخالق اسم فاعل الخلق، والخلق في اللغة: التقدير، والبارئ: هو الذي يفري ما خلق، فمعنى خلَق: قَدَّرَ، ومعنى برأ: أنفذ ما قدَّر، وأبرزه من العدم إلى الوجود، والعرب تسمِّي التقدير خلقًا ومنه قولُ زهير بن أبي سُلمى:

ولأنتَ تفري ما خلقتَ وبَعْـ ... ـضُ القومِ يخلقُ ثمَّ لا يفري

وكثيرًا ما يطلق الخلق على الإبراز من العدم إلى الوجود، وعلى كل حال فمعنى البارئ: المبدع الذي يبرأ الأشياء أي يبرزها من العدم إلى الوجود، وفي الآية سرٌّ لطيف وهو أنَّ مَنْ أبرز من العدم إلى الوجود هو الذي يستحق أنْ يُعبَد، وأن يتابَ إليه من الأمور؛ لأن عنوان استحقاق العبادة إنَّما هو الخلق فمن يخلق ويُبرز من العدم إلى الوجود هو المعبود الذي يعبد وحده، ويُتنصَّل إليه من الذنوب، ومَنْ لا يخلق فهو مربوبٌ محتاجٌ إلى خالق يخلقه.

ولذا كثر في القرآن الإشارة إلى أن ضابط من يستحق العبادة هو الخالق الذي يبرز من العدم إلى الوجود كما تقدم في قوله: {يَاأَيُّهَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015