والباءُ في قوله: {بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ} سببيةٌ يعني: أن اتخاذَهم العجل هو السبب الذي ظلموا به أنفسهم، وقد قدمنا أنَّ الاتِّخاذَ مصدر اتَّخذ، وأنَّ الظاهر أنَّ أصله افتعال من الأخذ، إلَّا أنَّ الهمزة التي هي في محل فائه أبدلت تاءً وأُدغمتْ في تاء الافتعال، وهذا يُحفظ ولا يقاس عليه كما عقده في الخلاصة بقوله:
ذو اللينِ فا تا في افتعالِ أبدلا ... وشذَّ في ذي الهمزِ نحوُ ائتكلا
واتخاذكم مصدرٌ من فعل يطلب مفعولين، والمصدر هنا مضاف إلى فاعله، والمفعول الأول: العجل، والمفعول الثاني محذوفٌ دائمًا في القرآن، وتقرير المعنى: في اتخاذكم العجل إلهًا محذوفٌ في جميع القرآن، وأن بعض العلماء قال: النكتة في حذفه دائمًا هي التّنبيه على أنَّه لا ينبغي أن يتلفظ بأنَّ عجلًا مصطنعًا من حَلْي إلهٌ.
وقوله جلَّ وعلا: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ} الفاء سببيَّة، وقد تقرَّر في فن الأصول في مسلك الإيماء والتنبيه أن الفاء من حروف التعليل، وأنَّ ما قبلها علةٌ لما بعدها، فقوله سها فسجد؛ أي لعلَّة سهوه، وسرق فقطعت يده؛ أي: لعلة سرقته، وظلمتم أنفسكم فتوبوا؛ أي: لعلة ظلمكم {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ} قد قدمنا معنى التوبة واشتقاقها عند أول هذه السورة الكريمة.