قد يظهر للناظر أنَّه أحسن من تذبيح الكل، كما قال الهذلي:
حمدتُ إلاهي بعد عروةَ إذ نجا ... خراشٌ وبعُض الشرِّ أهونُ من بعضِ
والجواب عن هذا: أنَّ استحياءهم للنساء استحياء هو من جملة العذاب؛ لأنهم يستحيونهن ليُعملوهنَّ في الأعمال الشاقة، وليفعلوا بهن ما لا يليق من العار والشَّنار، وبقاء البنت وهي عورة تحت يدِ عدوٍّ لا يشفق عليها، يفعل بها ما لا يليق، ويكلِّفها ما لا تطيق، هو من سوء العذاب بلا شك. وقد قال جلَّ وعلا: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [النساء: 9] , والعرب كانوا ربما قتلوا بناتهم خوفًا وشفقة عليهن مما يلاقينه؛ مما لا يليق بعد موت الآباء، وهو كثير في شعرهم، وقد قال رجلٌ منهم في ابنة له تسمى مودَّة:
مودةُ تهوى عمرَ شيخٍ يسرُّهُ ... لها الموتُ قبلَ الليلِ لو أنَّها تدري
يخافُ عليها جفوةَ الناسِ بعدَهُ ... ولا ختنٌ يُرجى أودُّ من القبرِ
ولما خطبت عند عقيل بن علَّفة المري ابنته الجرباء أنشد:
إنِّي وإنْ سِيقَ إليَّ المهرُ ... عبدٌ وألفان وذودٌ عشْرُ
أحبُّ أصهاري إليَّ القبرُ