فما مَدَّ منهم رجلٌ يده إلى صيد.

فظهر بهذا أن كلتا الأمتين امتُحنت بصيد وأنَّ هؤلاء اعتدوا على ذلك الصَّيد فمسخوا قردة وأنَّ أولئك اتَّقوا الله، كذلك امتُحنوا بخوف من عدوٍّ فصبر هؤلاء وثبتوا، وخاف هؤلاء وجبنوا فدلَّ هذا على أنَّهم أفضل منهم، وهذا مما لا خلاف فيه، وهذا مما يبين أن قوله: {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} أن المراد عالمو زمانهم.

وقال بعض العلماء: هو نوع من التفضيل آخر لا يعارض أشرفية هذه الأمة وأفضليتها عليهم، وهو كثرة الرسل فيهم، وأن الأنبياء أكثر فيهم منهم في غيرهم، وكثرة الأنبياء فيهم لا تجعلهم أفضل من هذه الأمة، بل هذه الأمة أفضل منهم وإنْ كانت الأنبياء فيها إنّما جاءها نبي واحدٌ - صلى الله عليه وسلم -، وهذا معنى قوله: {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ}.

وقوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} الآية [البقرة: 48] , معنى الاتقاء في اللغة العربية، هو أنْ تجعل بينك وبين ما يضرُّك وقاية، وأصل مادته وَقَى، دخلها تاء الافتعال كما تقول في قرب اقترب، وفي كسب اكتسب، وفي وقى اتَّقى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015