ألا يا غراب البين قد طرت بالذي ... أحاذر من لبنى فهل أنت قانع
فما من حبيب دائم لحبيبه ... ولا صاحب إلا به الدهر فاجع
فقد كنت أبكى والنوى مطمئنة ... بنا وبكم من علم ما البين صانع
وأهجركم هجر البغض، وحبكم ... على كبدى منه شئون صوادع
وأعجل بالإشفاق حتى يشفنى ... مخافة شعب الدار والشمل جامع
أبو العباس قال: قرأنا على عبد الله بن شبيب قال: حدثني زبير قال: حدثني عبد الملك بن الماجشون، عن أبي السائب، قال أخبرني ابن أبي عتيق، قال: والله إني لأسير في أرض عذرة إذ أنا بامرأة تحمل غلاماً خدلاً ليس مثله يتورك، فعجبت لذاك، فتقبل به فإذا برجل له لحية. قال: فدعوتها فجاءت فقلت: ما هذا ويحك؟ فقالت لي: أسمعت بعروة بن حزام؟ فقلت: نعم. فقالت: هذا والله عروة. فقلت له: أنت عروة:؟ فكلمني وعيناه تدوران في رأسه وقال: نعم، أنا والله الذي أقول:
جعلت لعراف اليمامة حكمه ... وعراف حجر إن هما شفياني
وقالا: نعم تشفى من الداء كله ... وراحا مع العواد يبتدران
فما تركا من سلوة يعلمانها ... ولا شربة إلا وقد سقياني
فقالا: شفاك الله، والله ما لنا ... بما ضمنت منك الضلوع يدان
فلهفى على عفراء لهف كأنه ... على النحر والأحشاء حد سنان
فعفراء أحظى الناس عندي مودة ... وعفراء عنى المعرض المتواني
قال: ثم ذهبت، فما رحت من الماء حتى سمعت الصيحة، فقلت ما هذا؟ قالوا: مات عروة بن حزام.
أحمد بن يحيى ثعلب، ثنا عبد الله بن شبيب، حدثني حماد بن عمر، حدثنا الهيثم بن عدى، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن النعمان ابن بشير قال: بعثني عثمان بن عفان على صدقات سعد هذيم، وهم بلى وعذرة، وسلامان، وضنة، والحارث، ووائل، بنو زيد، فلما قبضت الصدقة وقسمتها بين أهلها أقبلت بالسهمين إلى عثمان، فبينا أنا أسير في بلاد عذرة إذ أنا ببيت حريد جاحش عن الحي، فملت إليه، فإذا أنا بشاب راقد بفناء البيت، فإذا أبا بعجوز من ورائه في كسر البيت، فسلمت عليه فرد على بصوت ضعيف:
كأن قطاة علقت بجناحها ... على كبدى من شدة الخفقان
جعلت لعراف اليمامة حكمه ... وعراف نجد إن هما شفياني
فما تركا من رقية يعلمانها ... ولا سلوة إلا وقد سقياني
فقالا: شفاك الله والله ما لنا ... بما ضمنت منك الضلوع يدان
ثم شهق شقهة خفيفة كانت نفسه فيها، فقمت غليه فنظرت في وجهه فإذا هو قد مات، فقلت: أيتها العجوز، من هذا الشاب الراقد بفناء بيتك هذا فقد مات؟ فقالت: وأنا والله أرى ذلك. فقامت فنظرت في وجهه وقالت: فاظ ورب محمد! قلت: أيتها العجوز، من هذا الشاب؟ قالت: هذا عروة بن حزام الضنى، وأنا أمه. قلت: فما بلغ به ما أرى؟ قالت: الحب، والله ما سمعت له كلمة ولا أنة مذ سنة حتى كان في صدر هذا اليوم؛ فإني سمعته يقول:
من كان من أمهاتي باكياً أبدا ... فاليوم إني أراني اليوم مقبوضا
يسمعتيه فإني غير سامعه ... إذا علوت رقاب القوم معروضا
قال: فأقمت عنده حتى غسلته وكفنته وصليت عليه ودفنته. قلت: يا صاحب رسول الله ما دعاك إلى ذلك؟ قال: احتساب الأجر فيه.
وقال أبو العباس: يقال هو يتكسع ويتسكع في طمته، إذا تحير. الماء المعين: الجاري السائل، مأخوذ من المعن وهو يقال في القليل والكثير. أمعن بحقه، إذا ذهب به.
قال: وقال أبو عبد الله بن الأعرابي: الأهيس: الذي يدق كل شئ. قال الراجز:
إحدى لياليك فهيسى هيسى
والأليس: الذي لا يبرح، يقال رجل أليس وقوم ليس. قال عبدة ابن الطبيب:
إذا ما قام راعيها استحثت ... لعبدة منتهى الأهواء ليس
أي لا تفارقه، منتهى أهوائها لعطن عبدة، فهي تنزع إليه لا تفارقه.
ويقال: ما يطف له شئ ولا يستطف ولا يوهف له شئ إلا أخذه.
وقال أبو العباس: قال أبو عبد الله: " خير النساء الخفرة العطرة المطرة، وشر النساء المذرة الوذرة القذرة ".
الخفرة: الحيية. والمطرة: اللازمة للسواك.