مَا رَأَيْتُ، فَشَرِبَ وَسَقَانَا، وَمَا زَالَ الْقَدَحُ مَعَنَا إِلَى مَكَّةَ، قَالَ: فَقَالَ لِي يَوْمًا مَا يَقُولُ أَصْحَابُكَ فِي هَذِهِ الأُمُورِ الَّتِي يُكْرِمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا عِبَادَهُ؟ فَقُلْتُ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا إِلا وَهُوَ يُعْطَى الإِيمَانَ بِهَا.
فَقَالَ: مَنْ لَمْ يُعْطَ الإِيمَانَ بِهَا كَفَرَ، إِنَّمَا سَأَلْتُكَ مِنْ طَرِيقِ الأَحْوَالِ، فَقُلْتُ: مَا أَعْرِفُ لَهُمْ قَوْلا فِيهِ.
فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، بَلَى قَدْ زَعَمَ أَصْحَابُكَ أَنَّهَا خِدَعٌ مِنَ الْجِنِّ، وَلَيْسَ الأَمْرُ كَذَلِكَ، إِنَّمَا الْخِدَعُ فِي حَالِ السُّكُونِ إِلَيْهَا، فَأَمَّا مَنْ لَمْ يُعَرِّجْ عَلَى الْمُلْكِ فِي أَعْنَاقِ الْحَقَائِقِ، فَتِلْكَ مَرْتَبَةُ الرَّبَّانِيِّينَ
وَبِهِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَاكَوَيْهِ، أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَارِئُ، أَخْبَرَنِي أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذَبَارِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ بَنَانًا الْحَمَّالَ، يَقُولُ: دَخَلْتُ الْبَرِّيَّةَ عَلَى طَرِيقِ تَبُوكَ وَحْدِي، فَاسْتَوْحَشْتُ، فَإِذَا هَاتِفٌ يَهْتِفُ بِي: نَقَضْتَ الْعَهْدَ، لِمَ تَسْتَوْحِشْ، أَلَيْسَ حَبِيبُكَ مَعَكَ؟
وَبِهِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَاكَوَيْهِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ حفِيفٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ الْمُزَيِّنَ، بِمَكَّةَ، قَالَ: كُنْتُ فِي بَادِيَةِ تَبُوكَ فَتَقَدَّمْتُ إِلَى بِئْرٍ لأَسْتَسْقِيَ مِنْهَا، فَزَلَقَتْ رِجْلِي، فَوَقَعْتُ فِي جَوْفِ الْبِئْرِ، فَرَأَيْتُ فِي الْبِئْرِ زَاوِيَةً وَاسِعَةً، فَأَصْلَحْتُ مَوْضِعَهَا، وَجَلَسْتُ عَلَيْهَا، وَقُلْتُ: إِنْ كَانَ مِنِّي شَيْءٌ لا أُفْسِدُ الْمَاءَ عَلَى النَّاسِ، فَطَابَتْ نَفْسِي، وَسَكَنَ قَلْبِي، فَبَيْنَا أَنَا قَاعِدٌ إِذَا بِخَشْخَشَةٍ، فَتَأَمَّلْتُ فَإِذَا بِأَفْعَى تَنْزِلُ، فَرَاجَعْتُ نَفْسِي، فَإِذَا هِيَ سَاكِنَةٌ، فَنَزَلَ وَدَارَ بِي، وَكُنْتُ هَادِئَ السِّرِّ لا تَضْطَرِبُ عَلَيَّ نَفْسِي، ثُمَّ لَفَّ بِي ذَنَبَهُ، فَأَخْرَجَنِي