مَوْعِظَةُ بَعْضِ الصُّلَحَاءِ لِعَبْدِ الْمَلِكِ

خَطَبَ عَبْدُ الملك بن مروان لَمَّا حَجَّ يَوْمًا، فَلَمَّا صَارَ إِلَى مَوْضِعِ العظة، فقام إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: مَهْلا مَهْلا، إِنَّكُمْ تَأْمُرُونَ ولا تؤمرون، وتنهون ولا تنهون، أَفَنَقْتَدِي بِسِيرَتِكُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ! أَمْ نُطِيعُ أَمْرَكُمْ بِأَلْسِنَتِكُمْ! فَإِنْ قُلْتُمْ اقْتَدُوا بِسِيرَتِنَا، فَأَيْنَ، وَكَيْفَ، وما الحجة؟

وكيف الاقتداء بسيرة الظلمة؟ فإن قُلْتُمْ أَطِيعُوا أَمْرَنَا وَاقْبَلُوا نَصِيحَتَنَا، فَكَيْفَ يَنْصَحُ غَيْرَهُ مَنْ يَغُشُّ نَفْسَهُ؟

وَإِنْ قُلْتُمْ خُذُوا الْحِكْمَةَ مِنْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهَا، فَعَلامَ قَلَّدْنَاكُمْ أَزِمَّةَ أُمُورِنَا؟

أَمَا عَلِمْتُمْ أَنَّ فِينَا مَنْ هُوَ أفصح بفنون العظات وأعرف بوجوه اللغات، فتلجلجوا عنها، وإلا، فأطلقوا عقالها يبتدر إليها الذين شردتموهم في البلدان، إن لكل قَائِمٌ يَوْمًا لا يَعْدُوهُ، وَكِتَابًا بَعْدَهُ يَتْلُوهُ، لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون} .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015