وهناك مسائل فرعية يختلف فيها الناس وهي في الحقيقة مما وسع الله فيه على عباده (?) . وأعني مسائل ليست من الأصول التي تبلغ إلى تكفير المخالف فهذه مما وسع الله فيها على العباد ومن يتصفح كتب العلماء - المعتد بعلمهم - في أنواع العلوم الشرعية في التفسير وشروح الحديث والفقه، يجد أن هذه الكتب ممتلئة بالخلافات في المسائل الفرعية، ولم يثر ذلك أحد من أهل العلم وادعى فيه طعنا على من رد عليه قوله ولا ذما ولا نقصا، ولم يثر على ذلك أحد إلا إذا كان المخالف ممن يفحش في الكلام ويسيء الأدب في العبارة، فينكر عليه فحشه وإساءته دون أصل رده ومخالفته إقامة للحجج الشرعية والأدلة المفيدة، وسبب ذلك أن العلماء كلهم مجتمعون على إظهار الحق الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم، ولأن يكون الدين كله لله وأن تكون كلمته هي العليا " (?) . وكلهم معترفون بأن الإحاطة بالعلم كله من غير شذوذ منه ليس هو مرتبة أحد منهم، ولا ادعاه أحد من المتقدمين ولا من المتأخرين، فلهذا كان أئمة السلف المجمع على علمهم وفضلهم يقبلون الحق ممن أورده عليهم، وإن كان صغيرا، ويوصون أصحابهم وأتباعهم بقبول الحق، إذا ظهر في غير قولهم.
وكان الشافعي - رحمه الله - يوصي أصحابه باتباع الحق وقبول السنة، إذا ظهر لهم على خلاف قوله، وأن يضرب بقوله حينئذ الحائط (?) . ويقول: " ما ناجزني أحد فباليت أظهرت الحجة على لسانه أو على لساني " وهذا يدل على أنه لم يكن له قصد إلا ظهور الحق ولو كان على لسان غيره ممن يخالفه.